ما ورثته عن أجدادي الفراعنة والمسيحيين والمسلمين جعلني أدرك أن لدي أيضًا واقعيتي الخاصة التي قد تتماس مع ما هو جوهري في التجربة الأدبية المسماة بالواقعية السحرية، لدي ما أسميه الواقعية المصرية، والتي من خلالها أنتجت متواليتين قصصيتين هما (مرج الكحل) التي قام عالم الأدب الشعبي الراحل عبد الحميد حواس رحمه الله بتدريسها في جامعة هارفارد كنموذج للقص الحديث المستلهم للتراث الشعبي المصري، ومتوالية (حاوي عروس) التي حازت جائزة اتحاد كتاب مصر. وكنت سعيدًا أن د. محمد عبد السميع ترجم بعض قصصهما إلى اللغة الإسبانية ونشرت في موقع كولومبي، لأن مواطني ماركيز قرأوا هذه القصص وتقبلوها قبولًا حسنًا ظهر من خلال تعليقاتهم على القصص.
عندما قرأت الرواية القصيرة البديعة “بدرو بارمو” لخوان رولفو عرفت أن ماركيز ما كان ليكتب مائة عام من العزلة لو لم يناوله صديق رواية خوان رولفو ذات ليلة كان ماركيز يشعر أنه لم يعد لديه ما يكتبه وعليه أن يعتزل الكتابة، قال له صديقه: خذ اقرأ هذه الداهية! ولم ينم ماركيز حتى قرأ “بدرو بارمو” فانطلق من أرضيتها إلى رائعته التي ضمنت له الشهرة والخلود ونوبل، وأعتقد أن أية دراسة مقارنة بين الروايتين ستؤكد ما أقوله، برغم صغر حجم رواية خوان رولفو مقابل رواية ماركيز الضخمة.
غلاف الرواية القصيرة “بدروبارمو” لخوان رولفو
لكن مائة عام من العزلة أهدتني أيضًا كاتبًا كبيرًا هو ماريو برجاس يوسا، إذ كتب كتابًا كاملًا عن كواليس مائة عام من العزلة، ربما يفوق حجمه حجم الرواية نفسها، لكنه لا يقل متعة أيضًا، هذا الكتاب منحني الكثير من أسرار الكتابة، وما وراء الإبداع، وكيف يمكن أن يكون النقد خلاقًا وممتعًا وليس جافًا منغلقًا بالضرورة.
تجربتي الأكبر مع ماركيز فكانت في تحويل مائة عام من العزلة إلى مسلسل بالإذاعة المصرية إذاعة البرنامج الثقافي بعنوان (حكايات ماكوندو) عام 2016، أذيع في ثلاثين حلقة من بطولة النجوم سوسن بدر ومحمود الحديني وخالد الدهبي وإخراج محمد خالد.
كنت قد توقف عن الكتابة الإذاعية منذ أكثر من خمس سنوات عندما بدأت أشعر أنها تتسلل إلى كتابتي القصصية، والقصة القصيرة هي حبي الأول، فتخليت لأجلها عن الإذاعة.
يمكنم قراءة الجزء الأول من المقال عبر الرابط التالي 👇🏻
عن ماركيز الذي أعلن الطوارئ في بيتي!