أحدث الحكايا

غدت الكنافة بالقطائف تسخرُ وتقول إني بالفضيلة أجدر.. حلوى رمضان في عيون الشعراء

كيف يمكن الاحتفاء بطقوس شهر رمضان المبارك دون وجود أطباق الحلوى الشرقية على المائدة؟ وعلى الأخص الحلوى الرمضانية كالكنافة والقطائف التي أصبحت من رموز الشهر الكريم والتي يحرص الناس على وجودها على مائدتهم احتفالا بشهر رمضان وأصبحت عادة وطقسا مستمرا منذ قدم الأزل.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن تاريخ الحلويين فقط، بل كيف تغنى بهما الشعراء العرب من فرط التعلق بهما في رمضان.

روايات البداية

تعددت الروايات حول بداية ظهور الكنافة، فقيل إن صانعي الحلويات في الشام ابتكروها واخترعوها وقدموها خصيصا إلى معاوية بن أبي سفيان وهو أول خلفاء الدولة الأموية وقت ولايته للشام كطعام للسحور لتمنع عنه الجوع الذي كان يشعر به في نهار رمضان، وبخاصة أنه شكى إلى طبيبه من الجوع الذي يلقاه في الصيام، فوصف له الكنافة.

وفي رواية أخرى، قيل إن الكنافة صُنعت خصيصا لسليمان بن عبدالملك الأموي، كما قيل إن تاريخ الكنافة يرجع إلى المماليك الذين حكموا مصر في الفترة من 1250 وحتى عام 1517م، ونسبت إلى العصر الفاطمي أيضا.

أمّا القطائف أو القطايف كما تنطق في مصر، فإن تاريخ نشأتها يرجع إلى نفس تاريخ الكنافة، وقيل إنها متقدمة عليها، حيث تعود إلى نهايات العهد الأموي وأول العباسي، وقيل كذلك إن تاريخ صنعها يرجع إلى العهد المملوكي حيث كان يتنافس صناع الحلوى لتقديم ما هو أطيب، فابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل ومزين ليقطفها الضيوف ومن هنا جاء اسمها القطائف.

بين مصر والشام.. جدل يحمسه الشعر

كل هذه الروايات لم تحسم الجدل حول أصل ارتباط كل من القطايف والكنافة بشهر رمضان، وبرز هذا التنافس بوضوح بين المصريين والشوام، فكتب الباحث محمد سيد كيلاني مقالة عام 1950 في مجلة “الرسالة” بعنوان “شهر الكنافة والقطائف”، ذكر فيها أن لفظ الكنافة لم يذكره أحد من أئمة اللغة، ولا نجد في الألفاظ اللغوية ما يصلح أن يكون مادة لها، فرجح أن تكون كلمة يونانية. وينقل عن ابن فضل الله العمري صاحب “مسالك الإبصار”، الرواية الأولى التي ذكرناها سابقًا، إذ قال العمري:

“كان معاوية يجوع في رمضان جوعا شديدا فشكا ذلك إلى محمد بن آثال الطبيب فاتخذ له الكنافة فكان يأكلها في السحر فهو أول من اتخذها”.

لكن الكيلاني يعقب مشككا في صحة هذه الرواية لأن المؤرخين المتقدمين لم يشيروا إليها، ولم يذكر ابن فضل الله المصدر الذي نقل عنه، ويضيف أنه لو عرفت الكنافة منذ عصر معاوية لذكرها الشعراء فيما ذكروا من أطعمة، فقد رأينا الشعراء حتى العصر العباسي الثاني يذكرون القطائف وغيرها من الأطعمة، ولم نر في شعرهم أثرا للكنافة، وهذا دليل واضح على أنهم لم يروها أو يسمعوا بها. ولاحظ سيد كيلاني في دراسته أن الشعراء المصريين هم أول من ذكر الكنافة في أشعارهم، وأول من تغنى بها، ومنهم الشاعر أبو الحسن الجزار المصري الذي يقول:

سقى الله أكناف الكنافة بالقطر

وجاد وليها سكر دائم الدر

وتبا لأوقات المخلل إنها

تمر بلا نفع وتحسب من عمري

وعن علاقة الكنافة والقطائف بشهر رمضان يقول الشاعر الجزار نفسه:

ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا

ولولا رضاها لم أرد رمضانها

عجبت لها من رقة كيف أظهرت

علي قد صد عني جناحها

ترى اتهمتنى بالقطايف فاغتدت

تصد اعتقادا أن قلبي خانها

وقوله الوزير شرف الدين الفائزي:

أيا شرف الدين الذي فيض جوده…. براحته قد أخجل الغيث والبحرا 

لئن أمحلت أرض الكنافة إنني.…. لأرجو لها من سحب راحتك القطرا 

فعجل به جواد فما لي حاجة …. سواه نباتا يثمر الحمد والشكرا 

وقوله:

سقى الله أكناف الكنافة بالقطر…. وجاد عليها سكر دائم الدر 

وتبا لأوقات المخلل إنها.. تمر بلا نفع وتحسب من عمري 

ويؤكد سيد كيلاني أنها عُرفت منذ العصر العباسي، وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وغيره، ومنهم من شبهها بحقاق من العاج، ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام، وفي هذا قال شاعر:

لله در قطائف محشوة

من فستق دعت النواظر واليدا

شبهتها لما بدت في صحنها

بحقاق عاج قد حشين زبرجدا

وقال شاعر آخر أيضا في القطائف:

أقول وقد جاء الغلاء بصحنه

عقيب طعام الفطر يا غاية المنى

بحقك قل لي جاء صحن قطائف

وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى

ومن أشعار المفاضلة بين الحلويين قول الشاعر ابن عنين:

غدت الكنافة بالقطائف تسخر

وتقول إني بالفضيلة أجدر

طويت محاسنها لنشر محاسني

كم بين من يطوى وآخر ينشر

شعراء تغنوا بالكنافة والقطايف

ومع الوقت وكسائر مظاهر الاحتفال بشهر رمضان، أصبحت الكنافة والقطائف من أساسيات الطعام في شهر رمضان، للدرجة التي جعلت الشعراء يتغنون بها في أشعارهم كما رصد محمد حسنين ربيع في مجلة تراثيات عام 2006، إذ ذكر أن كتب التراث حفلت بمعلومات وافرة عن المغالاة في إعداد موائد شهر رمضان والإفراط في المرطبات والحلوى وعلى رأسها القطايف والكنافة، وكلاهما مما اختصت به مصر من أقدم العصور.

فيما كان هناك رسالة للعلامة جلال الدين السيوطي عنوانها «منهل اللطايف في الكنافة والقطايف”، والتي جمع فيها أخبار هاتين الحلويين، وما قيل فيهما من نثر وشعر، وبعض الأخبار المتعلقة بهما. 

فكتب أبو القاسم عبد الرحمن بن هبه الله المصري في القطايف: 

وافي الصيام فوافتنا قطائفه…. كما تسنمت الكثبان من كثب 

وكتب عن القطائف المقلوة:

أهلا بشهر غدا فيه لنا خلف… أكل القطائف عن شرب ابنة العنب 

وللصلاح الصفدي من علماء ومؤرخي القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي: 

أتاني صحن من قطائفك التي .. غدت وهي روض قد تنبت بالقطر

ولا غرو إن صدقت حلو حديثها… وسكرها يرويه لي عن أبي ذر 

ولبرهان الدين القيراطي وكتب بها إلى القاضي نور الدين بن حجر والد القاضي والمؤرخ شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ هـ/ ١٤٤٨م.

مولاي نور الدين ضيفك لم يزل…. يروي مكارمك الصحيحة عن عطا 

صدقت قطائفك الكبار حلاوة …. بفمي وليس بمنكر صدق القطا 

وتصادف ارتفاع أثمان هذه الحلوى في رمضان سنة ٩١٧هـ/ ١٦٦١م في عهد السلطان قنصوه الغوري فرفعت شكوى منظومة الى المحتسب حوت أنواعا من الحلوى منها: 

لقد جاد بالبركان فضل زماننا.. بأنواع حلوى نشرها يتضوع 

حكتها شفاه الغانيات حلاوة.. ألم ترني من طعمها لست أشبع 

فلا عيب فيها غير أن محبها… يبدد فيها ماله ويضيع 

فكم ست حسن مع أصابع زينب… بها كل ما تهوى النفوس مجمع 

وكم كعكعة تحكي أساور فضة… وكم عقدة حلت بها البسط أجمع 

وكم قد حلا في مصر من قاهرية… كذاك المشبك وصله ليس بقطع 

وفي ثوبه المنفوش جاء برونق.. فيا حبذا أنواره حين تسطع 

وقد قصرت في وصف القطائف هائما… تراني لأبواب الكنافة أقرع 

فيا قاضيا بالله محتسبا عسى.. ترخص لنا الحلوى نطيب ونرتع

عن شهرزاد

المحرر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *