أحدث الحكايا

أسماء إبراهيم تحكي حكاية ماسبيرو (3): محطة إرسال المقطم جاهزة للتشغيل

فوق جبل المقطم ارتفع صاري محطة الإرسال التلفزيوني بنحو 300 متر من سطح الأرض. وفي يوم 7 يوليو 1960 كان الدكتور محمد عبد القادر حاتم، نائب وزير شئون رئاسة الجمهورية والمسئول عن إنشاء التليفزيون، يتفقَّـد سير العمل في محطة الإرسال التليفزيوني بالمقطم على أمل أن تبدأ تجربته خلال أيام بعد زيارته تلك استعدادا لبدء الإرسال التليفزيوني في أعياد الثورة لعام 1960، وكان يصحبه المهندسان صلاح عامر والجارحي القشلان. وقد التقوا جميعا 12 صانعا و25 عاملا يبدأون مناوبتهم من 8 صباحا وينهونها 8 مساء أملا في تركيب صاري الإشعاع في أقرب وقت، وقد أُختيروا جميعا بعد اختبارات خاصة ليتحملوا العمل على ارتفاع شاهق وفي ظروف مناخية قاسية.

يتم العمل على قدم وساق، وقد ارتفعت درجة حرارة الحديد الذي يتكون منه الصاري في قيظ يوليو، بحيث لم تستطع يد إنسان أن تتحملها، ورغم ذلك واصل العمال تركيب الأجزاء الباقية من الصاري الذي تمكنوا من إقامته في 10 أيام فقط. بينما استغرق تركيب صاري مثله في أستراليا 45 يوما. ولتعقد الصحف المقارنات بينه وبين أكثر معالم القاهرة ارتفاعا فيذكرون أنه أعلى من مأذنة جامع محمد علي بالقلعة بنحو 100 متر، ويماثل برج إيفل في ارتفاعه، وقد رُكَّـبت في قمة هذا الصاري الأجزاء المشعة المستقبلة لموجات التليفزيون العربي والأوروبي، وهذا الارتفاع يمكِّـن من سير موجات إلى مسافة 100 كيلو متر.

لكن.. لأي مــدى كان مجال الصاري وقدرته على إرسال الإشارة التليفزيونية في مدينة القاهرة؟

في تحقيقه بمجلة المصور يؤكد سعد الدين توفيق أن رؤية برامج التليفزيون ستكون قاصرة على منطقة محدودة وهي دائرة مركزها القاهرة والبلاد التي تبعد عنها مسافة تقل عن 100 كيلو متر، أي مديريات القليوبية والمنوفية والغربية والفيوم وبعض مناطق مديرتي الدقهلية وبني سويف. يؤكد محرر المصور أن هذا سيكون في البداية فقط؛ إلا أنه ستقام شبكة أو أكثر لتغذية الإرسال لمناطق أخرى تدريجيا حتى يعم الإرسال جميع أرجـاء البلاد.

مبنى الإذاعة والتليفزيون

 

وكانت الجماهير تستلم مع جهاز التليفزيون عند شرائه إيريال داخلي فقط دون أن تدفع مقابله أي ثمن. ولكنهم كانوا يدفعون 4 جنيهات مقابل تركيب سلك الإيريال الذي يبلغ متوسط طوله 100 قدم (حوالي 30 مترا ونصف المتر)، وكان يمكن الاستغناء عن الإيريال الخارجي إذا كان منزل العميل يبعد عن منطقة إرسال التليفزيون بالمقطم 30 كيلو مترا فأقل.

تشغيل القنوات الأرضية بدون اريل : اقرأ - السوق المفتوح

يجيء إنشاء التليفزيون الوطني أو “التليفزيون العربي” -كما كان يطلق عليه حينها- بعد سنوات أربع من وحدة مصر مع سوريا.. لم يكن الحلم فرديا قط إبان اتحاد مصر وسوريا فوفق المهندس الجارحي القشلان مدير الإذاعة بالنيابة لشئون اللاسلكي. فقد كان من المتوقع بعد نجاح المرحلة الأولى أن تغطي شبكة التليفزيون 90% من إقليمي الجمهورية. وكانت محطات للإرسال لتُـنشأ في مدن الإسكندرية وحلب والمنصورة وحمص وأسوان، ومحطات فرعية في كل من بورسعيد والإسماعيلية والسويس، كما صرح بأن سلسلة أخرى من المحطات سيتم إنشاؤها بين القاهرة وأسيوط تبعد كل منها عن الأخرى 70 كيلو مترا، ومحطات أخرى فرعية في المنطقة الساحلية باللاذقية وطرطوس.

فوق محطة إرسال المقطم يرتفع البرج أو الصاري بنحو 300 متر عن سطح القاهرة وبه سلم عدد درجاته 288 درجة، والحديد الذي يتألف منه يزن 20 طنا، ولو رُصّـت القطع التي يتكون منها إثر بعضها لبلغ طولها 18 كيلومترا. وبه ثلاثة تليفونات على أبعاد متساوية، والأضواء الحمراء تنبعث منه ليلا لتتفاداه الطائرات. ويقال إن المسافة بين محطة المقطم وقاعدة البرج تقطعها السيارة في ربع ساعة في حين يقطعها المصعد في 54 ثانية!.

كانت أحلام المشروع الوليد كبيرة وعملاقة بحجمه؛ إذ لم تكن طموحات منشئي المحطة مجرد إرسال الإشارة التليفزيونية بل امتدت لمشروع ترفيهي مكمل للوظيفة الأساسية، فأعطى د. حاتم تعليماته باستغلال المنطقة المحيطة بصاري الإشعاع وكان يحلم بأن تُبنى استراحة أو كافيتريا بحيث يتمكن الرواد بعد زيارة المحطة من مشاهدة معالم القاهرة من هذا الارتفاع الشاهق الذي سيصلون إليه عن طريق أسانسير يصعد في الهواء إلى ارتفاع 100 متر.

فهل تحقق حلمه؟!

عن أسماء إبراهيم

مخرجة وكاتبة سيناريو وباحثة سينمائية. أنجزت أفلاما تسجيلية للتليفزيون المصري ونال بعضها الجوائز. كما قامت بالإنتاج المستقل لفيلمها الأحدث الذي شارك في عدة مهرجانات دولية. مُـحاضِرة ومُـدرِّبة في معاهد وكليات الإعلام. وحاصلة على درجة الماجستير في النقد التلفزيوني من أكاديمية الفنون. لديها اهتمام بالتراث والعمارة ونشرت بالعديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *