أحدث الحكايا
EDINBURGH, SCOTLAND - AUGUST 24: Irish poet Paul Muldoon attends a photocall during the annual Edinburgh International Book Festival at Charlotte Square Gardens on August 24, 2017 in Edinburgh, Scotland. (Photo by Roberto Ricciuti/Getty Images)

د. سارة حواس تحكي: حكاية بول مولدون الذي وصفته “التايمز” بـ”أهم شاعرٍ في الإنجليزية منذُ الحرب العالمية الثانية”

وُصِفَ من قِبَل المُلحق الأدبي لصحيفة التايمز باعتباره “أهم شاعرٍ وُلدَ في اللغة الإنجليزية منذُ الحرب العالمية الثانية”،كما وُصِفَ أيضًا من قِبَل الروائي وكاتب المقالات الأمريكي روجر روزنبلات (١٩٤٠) بأنه ”واحدٌ من الشُّعراء العُظماء في المائة عام الماضية، فهو يستطيعُ أن يكُونَ كُلَّ شيءٍ في قصائده، مرِحًا وغنائيًّا وحزينًا وغاضبًا في آنٍ. فقط وليام بتلر ييتس (١٨٦٥-١٩٣٩) استطاع قبله أن يكتب بغضبٍ محسوبٍ”.

هو الشاعر والكاتب المسرحي والمُترجم والمُحرِّر والناقد الأيرلندي الأمريكي بول بولدون الذي وُلِدَ في بورتا داون بأرماغ في شمال أيرلندا لباتريك بولدون الأب الذي كان يشتغلُ عاملًا في مزرعةٍ وبستانيًّا للسوق، ولبريچيد ريجان الأم التي تعمل مُعلِّمةً في إحدى المدارس وهو الأكبر بين ثلاثة أبناء.

الشاعر والكاتب المسرحي بول بولدون

 

أهم كتبه

بعد دراسة بولدون في جامعة كوين بيلفاست، نشر كتابه الأول ”الطَّقس الجديد” (فابر) في عام ١٩٧٣ وهو في عامه الواحد والعشرين، ومنذ عام ١٩٧٣ عمل منتجًا بإذاعة بي بي سي في بلفاست حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وبعد ذلك أصبح كاتبًا مستقلًا، وانتقل مع زوجته الثانية الروائية الأمريكية چان  هانف كوريليتز (١٩٦١) إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويعيش في ولاية نيويورك وهو والد لابنين.

الكتاب الأول لبول مولدون ”الطَّقس الجديد” (فابر) New Weather (Faber)

 

ألَّف بول مولدون أربعة عشر كتابًا شعريًّا و من هذه الكتب: ”هاودي-سكيلب” عام ٢٠٢١ و”فروليك وديتور” عام ٢٠١٩، و”ألفُ شيءٍ يستحقُّ المعرفة” عام ٢٠١٥، و ”ماجوت” عام ٢٠١٠، و”البغال” عام ١٩٧٧، و”لقاء البريطانيين” عام ١٩٨٧. أما عن كتابه الشعري ”رمال وحصى موي” الذي نُشر في عام ٢٠٠٢ فقد حصد جائزة بوليتزر وجائزة جريفين للشِّعر،كما لديه العديد من المؤلفات الأخرى في مجالاتٍ مختلفةٍ؛ كتب للأطفال وأعمال في النقد.

غلاف كتاب مختارات شعرية لول مولدون

 

وأيضًا هو كاتب أغاني وكاتب مسرحيات للراديو والتليفزيون، وتُرجم شعرُهُ إلى عشرين لغة، كما حرَّر مختارات فابر للشِّعر الأيرلندي المعاصر عام ١٩٨٦ وكتاب فابر للوحوش عام ١٩٩٧، و ترجَمَ أعمالَ بعض الشُّعراء الأيرلنديين مثل نوالا ني دومهنيل (١٩٥٢-٢٠١٣) إلى اللغة الإنجليزية، كما عمل بولدون أستاذًا للشِّعْر بجامعة أكسفورد في الفترة من عام ١٩٩٩ إلى عام ٢٠٠٤ كما عمل محررًا في نيو يوركر من الفترة من عام ٢٠٠٧ إلى عام ٢٠١٧.

غلاف كتاب مختارات فابر للشِّعر الأيرلندي المعاصر

 

وقد حصد بول مولدون العديد من الجوائز الشِّعرية الكبرى مثل جائزة جون وليليام كورينجتون للتفوق الأدبي وميدالية الملكة الذهبية للشعر وجائزة شيموس هيني للفنون والآداب،كما رُشّحَ للقائمة القصيرة لجائزة تي إس إليوت.

 

المفارقة

يمتازُ شِعْرُ بولدون باستخدامه “المُفارقة” وهي حيلةٌ فنيةٌ أدبيةٌ يستخدمها الشُّعراء ليكشفِوا بها عن معانٍ عميقةٍ خلف هذا التناقض، وهي تقنيةٌ فنيةٌ عُرف بها الشُّعراء الإنجليز أصحاب الشعر التقليدي، وهذا يعكسُ مدى تأثُّر بول مولدون بالشِّعْر الإنجليزي النابع من انتمائه إلى موطنه الأصلي أيرلندا، ونجدُ هذا التناقضَ بوضُوحٍ في قصائده، حيثُ تتنوَّعُ بين الهزلية والفكاهة والجدية، مراوغة وغير مباشرة تارةً، ومباشرة تارةً أخرى، خلّاقٌ ومبتكرٌ وتقليديٌّ في الوقت نفسه.

 

يستخدمُ الشكلَ التقليديَّ للقصيدة كالسوناتة وهي القصيدة المُكَوَّنة من أربعة عشر بيتًا، والقصيدة الغنائية، والمونولوج الدرامي وهو نوعٌ من الشِّعْر يُكتبُ على شكل خطابٍ لشخصٍ واحدٍ، ولكنه بعد ذلك يُغيِّر من طول القصيدة وبنيتها الأساسية ويستخدمُ الوزنَ والقافيةَ بطرقٍ مبتكرةٍ، كما يمتازُ شعر بولدون باستخدامه طبقاتٍ من الإشارات والوهم والدَّهاء، واللعب بالكلمات المُبهمة الموجُود بكثرة في قصائده يسمى” چويسين”.

التحدي

عندما تقرأ شعر بولدون تلاحظ تحدِّيه ذاته وموهبته الشِّعْرية في تبنِّي أشكال شعرية ضيقة كالهايكو وهو شكلٌ شعريٌّ يابانيٌّ يتكونُ من ثلاثة أسطر، خمسة مقاطع في السَّطر الأول وسبعة في الثاني وخمسة في الثالث، وسيستينا هو شكلٌ شعريٌّ ثابتٌ يتكوَّنُ من ستة مقاطع، يتكوَّنُ كلٌّ منها من ستة أسطر، وأخيرًا السوناتة  كما ذكرت مسبقًا.

 

البساطة العميقة

يتسمُ شعر بول مولدون بالبساطة العميقة، أو بمعنى آخر يمكننا أن نطلقَ على شعره السَّهلَ المُمتنعَ، في بداية قراءتك قصيدته تتوهمُ أنك تقرأ قصيدةً فكاهيةً بلغةٍ مرحةٍ وبسيطةٍ، ولكن عندما تبحرُ أكثرَ داخل قصيدته وتناقضاته، تجده يتحدثُ عن أمورٍ شائكةٍ وحسَّاسةٍ وعميقة فتشعر بالصَّدمة ولكنَّها صدمةٌ فنيةٌ مُبتكرةٌ ومقبولةٌ، يمتازُ بثروته اللغوية الأسطوريه فتَمكُّنه من اللغة الأيرلندية والإنجليزية الأمريكية جعله على معرفةٍ ووعيٍّ كبيرٍ بالمفردات والثقافات المختلفة والأساليب الشِّعرية المختلفة التي تتنوَّع بين الأسلوب الإنجليزي التقليدي والأسلوب الشِّعْري الأمريكي الحديث.

لا يتبنَّى شكلًا شعريًّا مُحدَّدًا فهو يؤمنُ أنَّ لكلِّ قصيدةٍ صوتها وأسلوبها الخاص؛ فالذي يناسبُ قصيدةً بعينها قد لا يناسبُ قصيدةً أخرى، كما أنَّ قصائدَهُ تتنوَّعُ بين القصائد الطويلة جدًّا والمتوسطة فعلى سبيل المثال لديه كُتبتْ في ٢٦١ صفحة بينما كُتبتْ قصيدة ” يارو” في١٥٠ صفحة، فنلاحظ أنَّ تنوُّعَ شعر بولدون ليست فقط في الموضوعات أو الشكل ولكن أيضا في طول القصائد.

قصيدة بعنوان ” مادوك” Madoc لبول مولدون

 

كما أنَّ لديه القُدرة أيضًا على كتابةِ ما يشعرُ به أو رسالته الذي يودُّ أن يكتبَهَا في سطورٍ شعريةٍ مُحكمة بمفرداتٍ قليلةٍ وبسيطةٍ ولكنَّها عميقةٌ وهذا يدلُّ على تمكُّنه من اللغة وعلى غزارة موهبته الشِّعْرية التي تجعله يلعبُ بالمفردات والأساليب الشعرية المختلفة بمهارة وجدية لافتة.

أما عن الشُّعراء الذين تأثَّرَ بهم مولدون كثيرًا ،فهو الشَّاعر الغنائي الأمريكي الشهير روبرت فروست (١٨٧٤-١٩٦٣) والشَّاعر البريطاني ديلان توماس (١٩١٤-١٩٥٣) والشَّاعر الأيرلندي فريدريك لويس ماكنيس (١٩٠٧-١٩٦٣).

طفولة أيرلندية

في حوارٍ له في مجلة “ذا باريس ريڤيو” تحدَّث مولدون عن طفولته في أرماغ بأيرلندا وقال إنه عاش في مجتمعٍ ريفيٍّ لم يتغير منذ فترةٍ طويلةٍ، وإنه يتذكّر بوضوحٍ جارَهُ الذي كان يحرُثُ ومعه الخيولُ والمزارعون الذين يزرعون اللفت،كما أنه يتذكّرُ الصعاليك، وكان واحدٌ منهم يُسمَّى بادي باتش وآخر يسمَّى أربعون معطفًا وسُمِّي بذلك لأنه كان يرتدي طبقاتٍ كثيرةً،كما قال إنه أتى من مجتمعٍ يقدِّس ويُقدِّر رواية القصص والحكايات حتى أن السلتيين The Celts كان لديهم “إلهُ البلاغة” واسمُه أوجيموس وأن هذا الإله ما زال كامنًا وراسخًا في أذهان جيرانه، فمازالوا يحبون القصائد والأغاني والحكايات.

غلاف كتاب “إلى أيرلندا” لبول مولدون

 

لا تساهل مع اللغة

وفي حوارٍ آخر لمولدون في سلسلة “كاتونا” للشعر، تحدث عن أنشطته اليومية في الكتابة، وقال إنه يكتبُ شيئًا ما كل يومٍ، سطرًا في قصيدةٍ، أو سطرًا في أُغنيةٍ، أو جُملةً في محاضرةٍ، أو حتّى مجرد ردٍّ على سؤالٍ وكل شيء يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ، فهو لا يتساهلُ مع اللغة حيثُ يعملُ كثيرًا في كل جُملةٍ حتّى الجُملة التي ينطقُها الآن، يعملُ عليها جيدًا. وسُئل مولدون أيضًا عن دُور القافية في كتاباته الشِّعْرية وهل هو يلتزمُ بها ومعها أثناء كتاباته وقال إن القافية عنصرٌ موجُودٌ في كل شيءٍ نفعله فيندر وجودُ صوتٍ لا صدى له، كما أن القافيةَ شيءٌ نسمعُه ونراه في كل شيءٍ نسمعه أو ننظر إليه، فالناس تعتبرُه دائمًا شيئًا صناعيًّا ولكنه في الحقيقة أكثر شيءٍ طبيعيٍّ في العالم.

تحدَّث مولدون أيضًا عن أسباب استمراره في الكتابة في حوارٍ آخر له في مجلة “إم كيو آر” وقال إن ما يجعله يستمر في الكتابة هو إمكانية حدُوث شيءٍ مثيرٍ  وإنه لم يجرب من قبل كتابة قصص قصيرة أو روايات كما أنه تحدث عن المشكلة التي واجهته عند كتابة قصائده الطويلة جدًّا، وقال إنَّها تأخذُ الكثيرَ من الوقت في كتابتها،كما أنه وعد زوجته بعدم كتابة قصائد طويلة مرةً أخرى.

بول مولدون ظاهرةٌ شعريةٌ يجب أن تُدرَّس بوصفها نموذجًا أو مدرسةً شعريةً مستقلةً ومُختلفةً ومتنوِّعةً، فاختلافه وتنوُّعه يلهمُ الكثيرَ من الشُّعراء والأدباء والمثقفين حتّى الطلاب المهتمين بدراسة الأدب بخاصّة الشِّعْر  فأسلوبه الشِّعْري الذي يتسمُ بأنه غريبٌ تارةً ومألوفٌ تارةً أخرى يجعلُهُ لافتًا للنظر ويدعو إلى كثيرٍ من التنقيب والدراسة حوله ،فكتاباته الشِّعْرية غنيةٌ وثريةٌ تفجِّرُ الرغبةَ في البحث عن عُمقِ وتناقضِ وسهولةِ وصعوبةِ أسلوبه الشِّعْري ولعبه بالمفردات الذي يجعلنا في كثيرٍ من الأحيان نتطلعُ إلى البحث في القواميس لنجدَ المعنى الصحيحَ لدلالة الكلمات فتارةً يكتبُ للقارىء الأيرلندي، وتارةً أخرى يكتبُ للقاريء الأمريكي، وبين هذا وذاك علينا أن نضعَ القاموسَ بين يدينا لفكِّ شفرات ومعاني مولدون الغامضة والعميقة.

قصيدة لبول مولدون

استعادةٌ (The Throwback)

 

حتَّى أنا يا حبِيبَتي لا أستَطِيعُ أن أُلاحِظَ

إلَّا عِندما تَدُسِّينَ ذَقنَكِ على صَدركِ

كَما لو أنَّكِ تَطوِينَ مَلاءَةً

وأنتِ تَحمِلينَ مشبَكَ ملابسَ

بين أسنَانِكِ

أو عند تَفصيلٍ  صَغيرٍ

حين تَضَعينَ يَديَكِ على بطنِكِ الصَّغيرةِ

وتلعَبينَ بإبهَامِكِ هكذا.

 

يبدُو الأمرُ كمَا لو كُنتِ استِعادةً

للجَدَّةِ التي لم تَرِيها  من قبل

الأُمُ التي أراها

في هذه البُقعةِ الحمراءِ من الصَّدفِيةِ

خلف أُذُنكِ التي قد تَشتَعِلُ فجأةً

في الخُوذَةِ التي ارتدتها

عندما وقفت بحزمٍ ضد زرسيس*.

————————————–
* زرسيس هو أحد أشهر ملوك فارس الأخمينية، ورث العرش عن والده داريوس الأول وكسب شهرته كحاكم بسبب اهتمامه الشديد بالهندسة المعمارية، كما أنه أول ملك يغزو اليونان.

عن د. سارة حامد حواس

مترجمة، مدرس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة المنصورة، تخرجت في الكلية نفسها بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وحصلت منها على درجتي الماجستير والدكتوراه في اللغويات التطبيقية. حصلت على عديد من الدورات التدريبية، وشاركت في كثير من المؤتمرات العلمية الجامعية. ولها أبحاث في التخصص منشورة في عدد من المجلات المصرية والأجنبية. وهي منسقة البرنامج التخصصي للغة الإنجليزية والترجمة بكلية الآداب جامعة المنصورة، ومنسقة الكلية لدى نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *