في قلب العاصمة، يقف مبنى يبدو للمرء كأنه قادم من عالم حكايات أوروبا الأسطورية، إذا مررت به مساءً ستلمح أضواء تنبعث من داخله، بينما يُغلّف الظلام الخارج، فيتأكد لك أن دخول “فيلا فيضي باشا” حدث استثنائي، لن تخرج منه كما دخلت.
في الداخل يُعرض نحو 20 صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود للمصورة راندا شعث، إحدى أبرز المصورين المصريين، وأول من ترأست قسم التصوير بجريدة “الشروق”، حمل المعرض اسم “القاهرة 90″، ليُجسّد روح العاصمة في تسعينيات القرن الماضي، بتغيراتها الجذرية مثل إنشاء كوبري أكتوبر وتنفيذ المرحلة الثالثة من المترو، تتذكر راندا تلك الفترة بضحكة خفيفة:
❝ كان المترو معجزة بالنسبة لنا، كنا نذهب فقط لتجربة السلم المتحرك ، واحنا مش رايحين في حتة! ❝
لم تقتصر راندا على توثيق التغيرات المكانية والعمرانية فقط التي التقطتها خلال فترة عملها بجريدة “الأهرام ويكلي”، بل حرصت على إبراز وجوه البسطاء الذين عاشوا تلك الحقبة.
❝ محبتش المعرض يبقى عن الأماكن فقط، بل عن الناس الذين يصنعون المدينة، والذين ما زالوا هنا كما كانوا❝
كان المعرض شاهدًا على تحولات القاهرة في التسعينيات، بما فيها أماكن اختفت اليوم، مثل منطقة “مثلث ماسبيرو” الذي التقطته عدستها قبل أن يتحول إلى منطقة للأبراج السكنية، إذ أصبح مثلث ماسبيرو أثرًا بعد عين.
ومن بين الصور الأبرز؛ أفيش فيلم “الإرهابي”، إنتاج عام 1994، عند سينما دالاس، حيث تظهر في الصورة حراسة أمنية أمام الزحام عند شباك التذاكر، فيما يلمع اسم الفيلم بضوء النيون فوق صورة عادل إمام في شخصية الإرهابي، تعلق راندا:
❝ شهد مطلع التسعينيات موجات إرهاب، لذا كان الفيلم يُعرض تحت حراسة خشية التفجيرات! ❝
أثناء جائحة كورونا عام 2020، استرجعت راندا أرشيفها من النيجاتيف غير المطبوع، وانتقت صورًا نادرة لمعرضها، ومنها وجوه البسطاء من السيدة زينب وجاردن سيتي وشارع محمد علي.
راندا، المصورة الفلسطينية المصرية التي وثقت الحياة في مصر على مدى ثلاثة عقود ممتدة، نجحت عبر “القاهرة 90” في نقل زوارها في رحلة إنسانية عبر المكان والزمن، إلى حقبة يحنّ إليها كثيرون، و تهمس في أذن ضيوفها بصوت حنون “الإنسان يبقى الإنسان مهما تغير الزمن، وهو نفسه من يقاوم ويصنع الأمل”.