منذ اللحظة الأولى التي شاهدت فيها صوره قلت بلا تردد: “الله عليك يا بيل”.. وأضفت مدندنا: “شووف الصور واتعلم!! اتعلم من صور بيل، ليس فقط فنون وحرفنة التقاط الصور بل طرق وسبل احتضان بهجة الحياة بمن فيها وبما فيها”.
حكاية بيل كانينجهام
اسمه بيل كانينجهام. ولسنوات طويلة ظل المصور المتميز والنشيط لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية. كان كل يوم أحد يمتعنا بصوره للأزياء والنساء الجميلات والرجال المهتمين بالأناقة والشياكة.. وأيضا يبهرنا بصوره للمشهد الملفت للنظر ولعدسته في شارع نيويوركي، والذي دائما يحمل مفاجآت، في أشكال وألوان عديدة.
وبيل المصور كان دائما واقفًا لهم بالمرصاد ويذهب إلى أي مكان يريده بالعجلة -البسكلتة- وهي وسيلة انتقال رافقته في جولاته وصولاته على امتداد شوارع وأزقة نيويورك على مدى سنوات طويلة. بيل توفى يوم ٢٥ يونيو ٢٠١٦ وكان في الـ ٨٧ من عمره.
العثور على الشغف
حياته بدأت من بوسطن حيث ولد وعاش صبيا ثم ذهب إلى نيويورك وكان في التاسعة عشر من عمره، وهنا تأكد ولهه بمدينة الحرية والإبهار وصرعات الموضة والأزياء.
في نيويورك هذه المدينة الصاخبة -حياة وفنا وابتكارا- حرص بيل على الصعلكة في شوارعها والبحلقة في نسائها، خاصة أصحاب الأزياء المبهجة والقبعات العجيبة. كشاب صار جنديًا في الجيش الأمريكي متواجدا في أوروبا. عمل لفترة مصمما لقبعات النساء وكاتبا في شئون الأزياء إلا أنه وجد مع الكاميرا والصور حياته وبهجته وفرحته وسعادته.
منذ سنوات تم إعداد فيلم تسجيلي عنه يبين بساطة حياة هذا الفنان المصور وثرائها أيضا. ويعطيك إحساسا باقترابك من بيل وأسلوبه في الحياة. نعم في عصره كانت كل صاحبة فستان مغري أو قبعة مجنونة أو حذاء غريب أو فرو مختلف أو مميز في نيويورك تلتفت يمينا ويسارا لكي تعرف عما إذا كان بيل موجودا -طبعا بكاميرته- لكي يلتقط الصورة ويخلد اللحظة.
وفي النهاية كنا نرى ما رآه بيل في الشارع على صفحات العدد الأسبوعي (يوم الأحد) لصحيفة نيويورك تايمز. ولم يعد بالأمر الغريب أنه وصف في يوم من الأيام بأنه صار من معالم نيويورك البارزة. ونجما من نجوم نيويورك تايمز المتألقين في سماء الإبداع والشهرة.
إنه كان وظل دائما بيل كانينجهام المبدع العظيم.. الطفل الذي يلعب بكاميرته ولا يريد أن يكبر أبدا.
بيل كانينجهام وصف ما يقوم به وما يفعله في حياته بكاميرته: “أنا لا أقرر شيئا.. أنا أترك الشارع يتحدث براحته إلي.. وحتى يتحدث الشارع إليك فإن عليك أن تخرج إلى هناك.. وترى ماذا يحدث في الشارع!”
في عام ٢٠١٩ صدر كتاب ضخم يعد ألبومًا لصوره على مدى خمسة عقود. الكتاب بعنوان: “Bill Cunningham :On the Street” “بيل كانينجهام في الشارع”.
بصمة بيل في عالم الموضة
هذا الفنان الراصد لحركة أو تطور الموضة سواء في صالات عروض الأزياء أو في شوارع نيويورك أو باريس -أحيانا- لم يهمد أبدا حتى لا تفوته لقطة. كما أنه لم يغير طريقة لبسه البسيطة وكان يذكر لمن يسأله: الملفت للنظر هم من حولي من الآخرين.. وليس أنا”.
والأمر الأهم في حكاية هذا المصور الشهير أنه لم يغير حياته ولم يتبدل شغفه ولم يشيخ بيل حتى الأيام الأخيرة من عمره. ولذلك لم يتردد من قاموا باختيار صوره وجمعها في هذا الكتاب الجديد في القول إن تاريخ تطور الأزياء، بأشكالها وألوانها على امتداد خمسة عقود (منذ السبعينات) نجدها من تصوير بيل كانينجهام.
أحيانا يلتقط اللقطة بهدوء قبل أن تفوته الفرصة، وأحيانا أخرى يلقي التحية أو يتفوه ببعض التعليقات السريعة حتى يأتي تعبير الوجه من صاحبة الزي المبهر فتأتي الصورة تحمل كل هذه المشاعر الإنسانية معا. ويذكر عن بيل قوله بأنه ليس مصورا فوتوغرافيا -كما اعتدنا القول- بل كاتب عامود يكتب بالصور!
نعم، “الصورة بألف كلمة”. “صورة بتنطق وبتقول”. “صورة بتاخد العقل”. وأوصاف عديدة نقولها عندما نقف أمام صورة تبهرنا وتحرك خيالنا وتعطي لنا فهما أجمل لما حولنا ولما يمكن أن نعيشه كل يوم دون أن يلفت نظرنا فتأتي الصورة إياها لتحدث الصدمة.
نعم، فووق وشووف.. إنه سحر الصورة وجاذبيتها. وبالتأكيد من قام بالتقاط الصورة وتخليد اللقطة أو اللفتة..
بيل كانينجهام جسد كل هذا بصوره التي أبهرتنا. له ألف تحية.. وتعظيم سلام!