أعادت لي مشاهدة فيلم “شماريخ” للمخرج عمرو سلامة ذكريات عن عوالم مضت ربما أصبحت طي النسيان بفعل المتغيرات التي يعيشها المشهد المصري، ولكن ما هي الشماريخ؟ الشماريخ يعرفها جمهور الكرة جيدا فهي التي يشعلونها في احتفالاتهم بالملاعب وخارجها، ولكنها بحسب اللغة العربية فإن شماريخ هي جمع شمروخ، ويعنى الخرط أو التمزيق في حالة كونه فعل، أما إن جاء اسماً فهو يعني عنقودا من العنب أو غصنا.
في كل الأحوال ومع تباين تلك المعاني لكلمة شماريخ في اللغة العربية استعان بها المخرج عمرو سلامة في فيلمه الجديد حتى تكون بطل الفيلم وأحد أهم دلالاته خلال الأحداث.
مفارقة محببة للجمهور
فيلم “شماريخ” من تأليف وإخراج عمرو سلامة، وإنتاج شركة سي سينما، ويحقق حتى الآن نجاحا ملحوظا في دور العرض، وهو من بطولة آسر ياسين، أمينة خليل، خالد الصاوي، آدم الشرقاوي، مصطفى درويش وهدى المفتي. تعتمد قصته على المفارقة التي يرسمها رؤوف (آسر ياسين) أو كما يعرفه المحيطون به باسم “بارود”، يعمل بارود ضمن رجال سليم العاهل (خالد الصاوي)، يعيش رؤوف حياة ممزقة بين أمله في أن يعترف به والده سليم العاهل وبين رغبته في الابتعاد عن أعماله المشبوهة، في الوقت نفسه تظهر أمينة (أمينة خليل) ابنة المحامي علي الهلباوي (سامي مغاوري)، وتشهد قتل والدها الذي تكتشف علاقته بعالم سليم العاهل الإجرامي، تنشأ علاقة تجمع بين رؤوف وأمينة التي لا تعرف حقيقته ولكن كل منهما يساعد الآخر لغاية في نفسه.
في تأثر واضح بالحبكات الأمريكية التي لم تكن بعيدة عن مكونات الصورة السينمائية، قدم المخرج والمؤلف عمرو سلامة فيلمه الجديد، داخل عالم الجريمة وديستوبيا المدينة البعيدة عن العدل في الكثير من الأوقات يخلق سلامة عالما خاصا بفيلمه معتمدا على “الشماريخ” التي ترتبط بالداخل المحلي المصري لتكون بطلا محركا ومستهلا لاشتباكات تحرك الأحداث خطوة للأمام، الشماريخ التي صنعها أحمد عصام ببراعة خلقت عالما ذا خصوصية مصرية رغم الصورة الهوليودية.
بطولة بصرية
قوة فيلم “شماريخ” تعود إلى ثلاث عناصر غاية في الأهمية، الأول صناعة الشماريخ بأشكالها والثاني مدير التصوير كيم ميكيل، والعنصر الثالث هو المونتير أحمد حافظ، حيث شكل ميكيل وحافظ نقطة القوة في فيلم “شماريخ” والتفوق الملحوظ للصورة السينمائية الرشيقة والغنية بالحركة ونقل حالة الفيلم على مدار أحداثه.
في حين رغم نجاح المخرج عمرو سلامة في استياق عنصر محلي وهو الشماريخ لتكون بطلا في فيلمه، لكن افتقر الفيلم إلى تشكيل حالة إنسانية يستطيع المشاهد من خلالها الشخوص بأبطاله أو التفاعل معهم سواء كان باورد أو أمينة. وزخر الفيلم بالعديد من المشاهد الثنائية التي احتوت على حوارات تكشف العوالم النفسية والدواخل التي يعيشها البطلان دون أن تحقق تأثيرا يذكر ويعود ذلك إلى تكرار الحوار بتيمات مختلفة دون تقديم جديد، كما أن الحوار بصورة عامة على مدار الفيلم يعد من نقاط الضعف التي كانت سطحية في كثير من الأحيان.
برع المؤلف والمخرج عمرو سلامة في تقديم سيناريو متقن لكنه فارغ وسطحي من داخله كما هو الحال مع الأداءات التمثيلية في الفيلم من قبل كل من آسر ياسين وأمينة خليل، حيث لم يقدم أي منهما أي ملامح للشخصيات التي يقدموها وكأنهما يقدمان أنفسهما، في حين قدمت هدى المفتى أداء دراماتيكيا رغم قلة مشاهدها وكونها ضيفة شرف، وكذلك ظهور الممثل السودانى محمود السراج، وربما يعود ذلك إلى عناية المخرج عمرو سلامة في فيلم “شماريخ” بالصورة السينمائية أكثر من توجيه الممثلين لاسيما أن أغلب المشاهد كانت تحتوي على حركة وإطلاق شماريخ تحتاج الكثير في حالة إعادة التصوير للحصول على أداء تمثيلي آخر.
طفولة على الشاشة
عمرو سلامة مخرج قادر على إدارة الأطفال في أفلامه وهو أمر واضح ظهر مع أحمد داش في فيلم “لا مؤاخذة” 2014 أو فيلم “برة المنهج” والطفل عمر شريف عام 2021، وصولا إلى فيلم “شماريخ” الذي قدم به الطفلة لافينيا نادر التي ظهرت من قبل في عدة أعمال، وقدمت أداء لافتا في فيلم “شماريخ”.
فيلم “شماريخ” فيلم ممتع على الصعيد البصري وبه عناصر عديد تحقق الجودة البصرية لكنه يفتقر إلى التأثير أو استعادة العوالم الداخلية لشخصيّاته رغم تركيزه الشديد على خلق علاقة عميقة بين المشاهد والشخصية الدرامية التي اكتفت في كثير من الأحيان بترديد الحوار دون نقل ما تحويه الكلمات.