أحدث الحكايا

من عبث أوروبا إلى حكمة الشرق: رحلة البحث عن الخلود

من قلب أوروبا الوسطى، برز لازلو كراسنهوركاي، الفائز بجائزة نوبل في الأدب لعام 2025، الكاتب العبثي كما وصفته الأكاديمية السويدية. فمن يقرأه سيكتشف أفكارًا عبثية وسخرية سوداء، ومغالاة وهزلًا. باختصار يمكن اعتباره كاتبًا يسير على حبل مشدود بين الجنون والفلسفة.

 

 

من روايته تانجو الخراب (1985) إلى روايته الأشهر كآبة المقاومة (1989)، قدّم لازلو عالمًا يسوده الانهيار والفوضى وكأنه ينذر بنهاية العالم، لكنها ليست نهاية أرضية بقدر ما هي نهاية لقيم الإنسان ويقينه.

 

بعدها كتب لازلو رواية سجين أُرغا (1992)، والتي شكّلت نقطة تحوّل في مسيرته؛ إذ خرج فيها من عبث أوروبا المظلمة إلى رحلاته التأملية في الشرق، وحوّل سفره هذا إلى بحثٍ عن الهوية والمعنى وسط عالم يتداعى. ثم كتب حرب وحرب (1999)، ليقدّم فيها الإنسان الذي ما زال يبحث في زمنٍ لم يعُد يؤمن بالمعنى.

 

 

مع رواياته اللاحقة، بدأت رؤية لازلو تتحوّل من اليأس والخراب إلى البحث عن خلاص. ففي روايته جبل شمالًا، بحيرة جنوبًا، طرق غربًا، نهر شرقًا (2003)، يحاول إيجاد الصفاء الداخلي من خلال الطبيعة. ثم تأتي رواية الدمار والحزن تحت السماوات (2004)، ليستعيد فيها مشاهداته في الصين، متتبعًا آثار الفنون القديمة والخراب الذي لحق بها في العصر الحديث، ليطرح سؤالًا مؤلمًا حول مصير الجمال في عالمٍ يدمّر نفسه. بعدها قدّم رواية سيوبو هناك في الأسفل (2008)، وفيها يبحث عن الخلاص وسط عالمٍ فقد يقينه، وعن اللحظات التي تبرر الوجود رغم عبثه.

 

بعد سنوات طويلة، قدّم لازلو رواية عودة البارون وينكهايم إلى الديار (2016)، وفيها يسود أسلوب الكوميديا السوداء؛ إذ تحوّلت سخريته إلى أداة للتأمل في هشاشة الإنسان وعجزه عن الخلاص.

 

وبعد سنوات من هذا العمل الذي اختزل مأساة أوروبا المعاصرة بروحٍ تهكمية، قدّم هيرشت 07769 (2021)، لكن بأسلوب أكثر واقعية، حيث تدور الرواية في بلدة ألمانية صغيرة تمزقها الفوضى والحرائق المتعمّدة، وفيها يتقاطع العبث مع العنف الاجتماعي. ونكتشف فيها أن لازلو لا يزال يبحث عن معنى وسط الخراب.

 

 

أما روايته الأحدث زشميله أودافان، المنشورة هذا العام، فواصل فيها لازلو نظرته الساخرة نحو العالم، ليستكمل رؤيته الفكرية التي امتدت لأربعة عقود؛ من العبث الوجودي في أوروبا المظلمة، إلى التأمل الشرقي في الجمال والخلود، وصولًا إلى سخرية الشيخ الحكيم الذي يرى العالم بوضوحٍ مؤلم، ويواصل رغم كل شيء الإيمان بالفن كملاذٍ أخير ضد الفناء.

 

 

عن ابتسام أبو الدهب

كاتبة صحفية، تخرجت من قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة عام 2015، وتستكمل الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير بنفس القسم. تعمل في الصحافة منذ عام 2011، في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، ترأست قسم الأخبار والتحقيقات بجريدة القاهرة عام 2022. وتعمل حاليا بمجلة البيت الصادرة عن مؤسسة الأهرام، ومُعدة بقناة الحياة، كما تعمل كمدربة للأطفال بمشروع "أهل مصر" منذ عام 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *