في قلب الزمالك، حيث يتجاور التاريخ مع الفن، استضاف قصر عائشة فهمي معرضًا تتشابك فيه الألوان مع الألحان، احتفاءً بصوتٍ خالدٍ.
لا تُعرض هناك لوحات وتماثيل فحسب، بل تُستدعى روح امرأة صارت أيقونة للفن العربي كله: أم كلثوم.. صوت مصر.
في أروقة القصر، تتردد أصداء صوتها وكأنها ما زالت حاضرة بمنديلها الشهير، تغني للحب والوطن. تتنوع المعروضات بين لوحات ومنحوتات وشرائط كاسيت ومقتنيات شخصية مستعارة من متحفها بالمنيل.
تسعى المعروضات إلى إعادة قراءة كوكب الشرق من زوايا مختلفة، وكأن كل فنان وقف أمامها مصغيًا لصوتها، ثم رسم إحساسه الشخصي بما تركته من أثرٍ عميق. فهنا تمثال برونزي، وهناك لوحة بألوان نارية، وأخرى تجسد هيبتها ودفءَ حضورها.
وبين قاعات القصر الفخمة، تُعرض أعمال تشكيلية معاصرة تعيد قراءة صورة كوكب الشرق ورمزيتها. حضورها في هذه الأعمال ليس مجرد صورة جامدة، بل حالة حية من التفاعل بين الفن والموسيقى والتاريخ، وتأكيد على مكانتها في الذاكرة الجمعية للشعب المصري.
وفي إحدى القاعات، يطالع الزائر أرشيفًا صحفيًا نادرًا، يضم مقالاتٍ وصورًا وأخبارًا عن أم كلثوم، منذ أول ظهورها وحتى رحيلها.
سحرني المعرض منذ اللحظة الأولى، فواصلت التجول والعودة إلى الماضي، مصاحبةً ذات الصوت الآسر. لن أنسى وقعَ أغانيها في أذني عبر السماعات وأنا أتأمل الأعمال المعروضة، في تجربة لا تُنسى.
وفي نهاية جولتي، مع إغلاق أبواب القصر، تمنيت لو يتوقف الزمن لأبقى هناك أكثر. وللمصادفة، كان صوتُ أم كلثوم يهمس في أذني في تلك اللحظة: يلا نعيش في عيون الليل، ونقول للشمس.. تعالي تعالي، بعد سنة، مش قبل سنة، دي ليلة حب حلوة، بألف ليلة وليلة.