أحدث الحكايا

لازلو كراسنهاوركاي… كاتب نوبل الذي لم يفقد إيمانه بالفن

جاء من أرضٍ باردة تُدعى “جيولا”، في جنوب شرق المجر قرب الحدود الرومانية، رجلٌ نحيل اسمه لازلو كراسنهاوركاي، لينال هذا العام جائزة نوبل للآداب بعد أن قضى عمره يكتب كما لو أنه يُحاور نهاية العالم، ويزرع وردةً في قلب الخراب.

 

 

 

وُلد لازلو عام 1954، في زمنٍ لم يكن للكلمة فيه مكان، في ظلّ نظامٍ يراقب الأنفاس ويُحجِّم الأفكار. غير أنه لم يرضخ، بل حمل في قلبه تمردًا صامتًا ظلّ يتصاعد حتى نشر روايته الأولى «تانغو الشيطان» عام 1985، فظهر للعالم بكل ما يحمله من اختلافٍ وجرأة. كانت جُمله طويلة كأنهارٍ لا تعرف الفواصل، بلا علامات ترقيم تقريبًا، كمن تمرّد حتى على اللغة نفسها.

 

 

حكى في روايته الأولى عن مجموعةٍ من القرويين الفقراء يعيشون في مزرعةٍ مهجورة قبيل سقوط الشيوعية. فسادت عليها أجواء العدمية والسوداوية واللامبالاة، واختلطت فيها الأحلام بالواقع في نسيجٍ سرياليٍّ خانق. وقد حققت الرواية نجاحًا واسعًا في المجر، ووُصفت بأنها من أبرز الأعمال الأدبية في أوروبا الشرقية، وكانت مدخله إلى شهرةٍ تُوّجت لاحقًا بجائزة “المان بوكر” عام 2015.

 

 

كتب بعدها روايته «كآبة المقاومة» عام 1989، التي وصفها النقّاد بأنها رواية “نهاية العالم”. فيها يبدو العالم على وشك السقوط، والأحداث أقرب إلى كوابيس، والشخصيات تسير نحو العدم، في أجواءٍ تتجاوز الواقع إلى التأمل الوجودي.

 

لم يلتفت العالم إلى لازلو إلا بعد أن تحوّلت رواياته إلى أفلام، بدءًا من عام 1994، حين أخرج المخرج المجري بيلا تار فيلمه الملحمي الشهير المقتبس عن «تانغو الشيطان». عندها بدأ النقّاد يتحدثون عن الكاتب الذي يرى ما بعد النهاية، والذي يكتب عن الإنسان حين يفقد المعنى، وعن المدن التي تتهالك من الداخل، وعن الزمن الذي يلتفّ حول نفسه كأفعى. كاتبٌ يسرد عالمًا غرائبيًا.

 

 

ورغم سوداوية ما يكتبه لازلو، لم يفقد إيمانه بأن الفنّ يمكنه أن يُنقذ شيئًا فينا. وهذا ما لفت نظر لجنة تحكيم جائزة نوبل للآداب هذا العام، فكتبوا في حيثيات منح الجائزة:

“لإنتاجه الأدبي الرؤيوي، الذي في خضمّ الرعب المروّع، يُعيد تأكيد قوة الفن.”

 

 

عن ابتسام أبو الدهب

كاتبة صحفية، تخرجت من قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة عام 2015، وتستكمل الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير بنفس القسم. تعمل في الصحافة منذ عام 2011، في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، ترأست قسم الأخبار والتحقيقات بجريدة القاهرة عام 2022. وتعمل حاليا بمجلة البيت الصادرة عن مؤسسة الأهرام، ومُعدة بقناة الحياة، كما تعمل كمدربة للأطفال بمشروع "أهل مصر" منذ عام 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *