في كتابه ” مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس ” الذي ألفه بعد خروج الفرنسيين وعودة الصدر العثماني، يورد الجبرتي وصفا لتنفيذ الحكم ولأول مرة يطلق على سليمان “الشهيد”.
“فلما وصلوا إلى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك، ضربوا عدة مدافع، وكانوا أحضروا سليمان الحلبي القاتل والثلاثة أنفار المظلومين، فخوزقوا في ذلك الوقت الشهيد سليمان وضربوا رقاب الثلاثة، وحرقوا أبدانهم، ورفعوا رؤوسهم على خوازيق بجانبه”.
كما أنه أضاف تعليقا على مقتل كليبر:
“وانقضى أمره وذهب إلى لعنة الله”
الكتاب ملئ بالهجوم على “كفرة الفرنسيس” والإشادة بالدولة العثمانية التي طهرت البلاد من كفرهم. وهو يكيل المديح لـ “مولانا الغازي سليم”.
فهو “ملاذ المؤمنين، مالك رقاب الأمم، ملجأ العرب والعجم، حافظ ناموس الشريعة الغراء .. باسط بساط العدل والإحسان على كامل رعيته، قامع الطغاة المعتادين، مبيد الفجرة المتمردين، سيف الله المسلول على كل طاغي … مجيب الندا، قمر الهدى، ليث العدا” .. إلخ.
فماهو سر هذا الاختلاف الواضح في موقف الرجل في الكتابين؟
الإجابة الأسهل أن الرجل وضع كتاب مظهر التقديس نفاقا للصدر الأعظم بعد دخوله مصر. لكن هذا الرأي لا يصمد كثيرا أمام حقيقة أن الجبرتي دفع حياة ابنه خليل على يد من أرسلهم محمد علي لاغتياله بسبب نقده الشديد لسلوكه مع المصريين “الذين اختاروه واليا عليهم، فجزاهم جزاء سنمار، بظلمه وقسوته عليهم”، كما جاء في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار.
وفي تقديري أن موقفه يعكس حيرته كمثقف مسلم، وقع بلده بين استعمارين، أحدهما أقرب إليه لأنه يعتنق نفس دينه (الأتراك والعثمانيون) لكنه شهد بعينه ما تعرض له أهل البلاد من أنواع العسف والظلم والفساد على يديه. وهناك الفرنسيون، أعداء الدين والملة، والذين لا يعرفون إلا العقل، بعدلهم وتحضرهم مقارنة بأبناء ملته.
ويمكنكم الاطلاع على الجزء الأول والثاني من هذا المقال عبر الروابط التالية: