لم يكن ثمة اختيار أفضل للاحتفال بمرور 1056 عامًا على تأسيس القاهرة من إقامة ندوة داخل بيت السناري، الذي شُيّد عام 1794 ميلادية، وما تزال جُدرانه شاهدةً على أصالة العاصمة التي تحمل طبقاتٍ متعددةً من التاريخ دون ملل.
داخل هذا البيت، احتفلت مبادرة “سيرة القاهرة” بالعاصمة التاريخية التي تأسست عام 969 ميلادية، من خلال استحضار تمثيلات المدينة في الأدب المصري، بحضور ضيفين هما الباحث التاريخي “حسن حافظ” وأستاذ النقد الأدبي الدكتور “شوكت المصري”.
استدعى حافظ -أحد مؤسسي مبادرة “سيرة القاهرة”- نصوصًا أدبية للكاتب “إسماعيل ولي الدين” تناولت مناطق شعبية مثل الباطنية والفسطاط، حيث وثقت تلك النصوص شكلها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وتناول حافظ تاريخ المنطقة بوصفه باحثًا في الحضارة الإسلامية، موضحًا أن اسم “الباطنية” -المنطقة الخلفية لجامع الأزهر- يعود إلى فرقة “الباطلية”، وهي جماعة من العسكر سكنت هناك في العصر الفاطمي، ثم تحوّر الاسم لاحقًا إلى “الباطن”، وقيل إنها سكنى “أهل الباطن”.
أشار الباحث إلى تحوّل الفسطاط من عاصمة مزدهرة إلى منطقة مهملة منذ القرن التاسع الميلادي، حتى كاد جامع عمرو بن العاص أن يندثر لولا تدخل الأمير مراد بك في العصر العثماني ، الذي أعاد بناءه بعد انهيار إيوانه.
واستعرض حافظ أعمال أدباء آخرين كتبوا عن القاهرة، مثل يحيى حقي في قصته “قنديل أم هاشم”، وخيري شلبي في روايتيه “صالح هيصة” و”بطن البقرة”. ففي “قنديل أم هاشم”، وُصفت منطقة السيدة زينب التي كانت -بحسب حافظ- من أهم مناطق القاهرة قبل إنشاء جامعة القاهرة، حيث ضمّت المدارس العليا. أما خيري شلبي، فقد قدّم وصفًا دقيقًا لعالم المخدرات في “قلعة الكبش” بروايته “بطن البقرة”، كما صور حياة المقابر بدقة لدرجة أنه سكن إحداها وجعل شاهد القبر مكتبًا له.
ولم يكن مصير قلعة الكبش أفضل من الفسطاط، فبعد أن كانت متنزهًا في العصور الوسطى، تحولت إلى منطقة شعبية في العصر المملوكي.
ووسط جدران بيت السناري المهيبة، استمر حديث حافظ الشيق، بينما أصغى الحضور بانبهار لسرد تاريخ القاهرة. ثم تلاه الدكتور شوكت المصري، الذي قرأ مقطعًا من رواية “أسد قصر النيل” للدكتور زين عبد الهادي (الصادرة يناير 2011)، واصفًا إياها بـ”رواية اللارواية” لعدم اعتمادها على حدث رئيسي، بل على أحداث صغيرة متشابكة داخل المدينة.
ومع صمت الحضور وانتباههم ، أكد حافظ أن القاهرة تستحق الكثير والكثير من البحث، مشيرًا إلى سعيه لعمل مشروع تاريخي عن القاهرة عبر النصوص الأدبية الخاصة بجيل الستينيات؛ أمثال نجيب محفوظ وخيري شلبي وجمال الغيطاني.