في نهاية القرن التاسع عشر، كانت مصر دولة منفتحة على الحداثة وقدمت، من خلال صناعتها الثقافية الناشئة، أدوات للتجديد الثقافي جذبت جماهير العالم العربي.
كانت السينما المصرية غالبًا ما تروي قصصها في أماكن برجوازية عصرية: فيلات ذات حدائق عملاقة، وشقق فاخرة، وضواحي هادئة، وكازينوهات ثرية… تظهر أبطالًا يقدمون نماذج من الجمال والتحرر شكلت صورة خلابة عن مجتمع مصري حديث أشعل خيال ملايين المشاهدين العرب.
المخرج السينمائي أحمد بدرخان
كتب أحمد بدرخان في كتابه السينمائي الصادر عام 1936:لقد وجدت أن السيناريو الذي يدور في أماكن بسيطة مثل دوائر العمال والفلاحين لم يحقق سوى نجاح محدود للغاية. السينما، في الواقع، تعتمد أساسًا على مجموعات، ومع ذلك، فإن الجماهير الشعبية التي تشكل الغالبية العظمى من مشاهدي السينما، لا تحب أن ترى فى السينما الأماكن البائسة التي تعيش فيها بشكل يومي”٠
ويضيف بدرخان:
“هناك بعض الأماكن المناسبة تمامًا لكي تدور فيها أحداث الأفلام مثل: المسرح، وقاعة الموسيقى، وإدارة صحيفة، أو فندق كبير، وبورصة الأوراق المالية، والشاطئ، أو مضمار السباق، والكازينو…. السيناريو الجيد هو قصة حب وغيرة بين ثلاثة أو أربع شخصيات في مدينة جميلة، داخل قصور رائعة”.
هذه الصور لحياة بورجوازية حديثة هي التي رسمت خيال جماهير السينما المصرية خارج حدودها، ورسمت أحلامها من خلال التماهي الذي كانت تستدعيه مع أبطال شكلتهم عملية صناعة النجم.
سينما بورصة طوسون في الإسكندرية
بدأت عادة الذهاب إلى السينما في الانتشار لدى سكان المدن العربية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشاركت السينما في هذه الحركة من خلال حداثتها المرتبطة بثقافة الترفيه الجديدة التي غزت الأجيال الشابة.
في تونس، على سبيل المثال، ساهم الذهاب إلى دور السينما في إدخال أساليب جديدة للحياة تؤثر على نمط حياة المرأة. ففي عام 1939، عبر كاتب عمود في مجلة “ليلى” ذات التوجهات القومية والنسوية عن سعادته عندما لاحظ أن تطور صناعة السينما على ضفاف نهر النيل قد أدى إلى تغير شكل المتفرجين في دور العرض التونسية. فإلى جانب “سي علي، ظهرت مدام سي علي مادموزيل سي علي.
وكانت التونسيات تذهبن لالتقاط الصور بأزياء مستوحاة مباشرة من الأفلام المصرية.
بشكل عام شهدت الخمسينيات تكاثر أماكن العرض وزيادة عدد الجماهير، وفرضت السينما نفسها كنشاط ترفيهي شعبي حضري. ووجد المتفرجون في المدن العربية أن السينما تعد وسيلة للتعبير عن اندماجهم في هذا العالم الحديث الذي تتيحه الشاشة الكبيرة.
يمكنكم قراءة الأجزاء السابقة من هذا المقال عبر هذه الروابط 👇
حكاية السينما المصرية خارج الحدود
السينما المصرية خارج الحدود (1930 – 1970)