قال لي صديقي الفيلسوف الألماني بينما كنا نتحاور:
– مشروع بحثك ممتاز ومهم.
ثم سكت قليلاً قبل أن يضيف:
– لكن قبوله في مؤتمر السوربون، بالتعاون مع جامعة مدريد، سيكون أمرًا صعبًا…
أشار إلى كثرة الأوراق المقدمة، وضرورة اتساق الموضوع مع توجه المؤتمر، وأشياء أخرى.
لم أجد ما أقوله، فاكتفيت بقلب شفتي السفلى في إشارة “اللي يحصل يحصل”. وافترقنا.
بعد أقل من أسبوع، وصلني الرد: موافقة وترحيب خاص من اللجنة المنظمة لمؤتمر “اتجاهات جديدة في العلوم الإنسانية”، والمقرر عقده في السوربون في يونيو 2023.
جامعة السوربون
كان البحث الذي تقدمت به معقدًا، يدور حول شروط إنتاج المعرفة في الثقافات العربية، وقدمت منه فصلًا عن نشأة الجامعة الحديثة في العالم العربي وتحولاتها كمؤسسة معرفية.
رغم مشاركاتي الدولية منذ 2010، ظل اسم “السوربون” يحتفظ بمهابته الخاصة، وكنت في حالة رعب وأنا أجهز العرض.
حضرت مبكرًا إلى المبنى التاريخي في شارع “Rue de la Sorbonne”. المكان يفوح بروائح التاريخ: تمثال فيكتور هوجو، البوابات الخشبية، الممرات الرخامية، قاعات الدرس القديمة.
تخيلت نفسي أخطو على خطى طه حسين، فارتفع إنزيم الإحساس بالمسؤولية في دمي.
افتتحت الجلسات متحدثة رئيسة ألمانية شابة تحدثت عن صورة “الآخر” في الأدب الأوروبي. بدا عرضها تقليديًا، خاليًا من الإدهاش، أقرب إلى تطبيق مدرسي للنظرية السردية.
ثم جاء السؤال: أستاذة أمريكية من أصل أفريقي طرحت استفسارًا واضحًا. لكن المتحدثة لم تفهمه، وردّت على شيء آخر تمامًا، كما لو سألت أحدهم عن اسمه، فأجاب: “الساعة الآن بتوقيت طوكيو”.
بعد المحاضرة، تعارفنا أنا والأستاذة الأمريكية، وسيدور بيننا لاحقًا حوار ممتع حول فيلم كليوباترا الأخير، والذي جسدها كامرأة أفريقية سمراء، وذلك الحديث سيستحق مقالا خاصًا.
ونستكمل باقي المقال الأسبوع القادم.
ويمكنكم متابعة الجزء الأول من المقال عبر الرابط التالي 👇🏻
من باريس للقاهرة يا قلبي فلتحزن!