مشهد في مسلسل أم كلثوم، تلتقي فيه الفتاة الريفية التي احترفت الغناء مبكرا بطفل متأنق يتحدث بطريقة توحي بثقة شديدة بالنفس، حيث يقوم بالتشديد على كل حروفه بما يوحي بتأكيده لكل كلمة ينطق بها: “كنت أغني لكن ما فيش سميعة”، في إشارة واضحة إلى أنه يجد فنه أعلى من ذائقة من يستمعون إليه.
ربما تشير هذه الجملة إلى حالة فريدة من حالات الفن التي يبحث فيها الفنان عن متلقي على قدر إبداعه، وهي الحالة التي وصفت بدقة رياض السنباطي الموسيقار الأكثر اعتزازا بفنه بل ربما الأكثر معرفة بقيمة ما يقدم، وهي المعرفة التي ظهرت وأثرت على كثير من مراحل حياته فيما بعد هذا اللقاء الذي تم حين كان عمره لم يتعد الثالثة عشر.
رياض الذي ولد في الثلاثين من نوفمبر من عام 1906، في مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط، وكان والده مقرئا ريفيا، عمل بالغناء في المناسبات الريفية مثل الموالد والأفراح والأعياد الدينية في القرى والبلدات الريفية المجاورة.
كانت بيئة رياض الأولى التي تربى عليها هي سماع أبيه وهو يعزف على العود، ويغني الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، فلما بلغ التاسعة من عمره، ضبطه والده عند جارهم النجار هاربا من المدرسة، يضرب على العود ويغني بصوته أغنية “الصهبجية” لسيد درويش وهي التي سمعها مرارا من أبيه، فلما أعجبه غناءه قرر أن يصطحبه معه للغناء في الأفراح، وكان ذلك في حوالي عام 1915 حين بدأ مشواره الفني الذي استمر قرابة السبعين عاما.
كان ذلك الوقت هو الحد الفاصل بين عصر سلامة حجازي وسيد درويش، حين كان الفن في القاهرة مختلفا عن الأرياف لكن ظهور الأسطوانات وصل بين الفنين، فاستمع الفتى الصغير إلى عبد الحي حلمي ويوسف المنيلاوي وسيد الصفطي وأبو العلا محمد وتتلمذ على أيديهم من دون أن يراهم، إلا أنه ظل دائما مدينا لوالده الشيخ محمد الذي قام بتعليمه تراث الموسيقى العربية، ومن بينها أغنيات لمحمد عثمان وعبده الحامولي.
وللحكاية بقية نستكملها الأسبوع القادم.