لم تتمكن الأعين الغاضبة وقت عرضه الفيلم من مشاهدة ما يحمله من تمرد مجتمعي وثقافي ونسوي يتمثل في تلك الفتاة الجامعية زينب عبدالكريم، المرأة القوية القادرة المتصالحة مع جمالها وجسدها ورغباتها، والتي تؤمن بأن المطالب لا تؤتى بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا “كدهو”، فلا تخجل من أن تطارد الشاب الذي يعجبها،تهاجمه في البداية بعنف، ثم تعجب به فتتعقبه في دأب حتى يقع في حبها.
قد تكون زوزو هي أحد أكثر نماذج تاريخ السينما المصرية تعبيرًا عن المرأة الممكنة، التي تستمد قوتها من داخلها، بل وتستند إلى هذا الداخل في تحدي العالم الخارجي الذي يمزقها بين كتلتين ترفض كلتيهما.
لوحة “خلي بالك من زوزو” للفنان إبراهيم البريدي عن التمرد وتمكين المرأة
هنا يكمن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الأقلام النقدية آنذاك،باعتبار الفيلم يقوم كأفلام مخرجه بالدفاع عن عالم العوالم في شارع محمد علي، رغم أن هذا ليس فقط افتراضًا خاطئًا في “خللي بالك من زوزو”، بل هو خاطئ في أغلب أفلام حسن الإمام، الرجل الذي عشق هذا العالم لكنه لم يتخلص أبدًا من رؤيته الأخلاقية له،فظل عالم الليل حاضرًا دائمًا، جاذبًا للجماهير، لكنه مرتبط بالانحدار والتفسخ الأخلاقي والانزلاق للرذيلة، ولنراجع مسار أفلام للإمام، “بنت بديعة” أو “ملكة الليل” مثلًا. بينما كلمة السر في جاذبية زوزو هو قدرتها الفريدة على السير فوق الخط الرفيع الفاصل بين تردي العوالم وتردي الأثرياء، بل وتردي المحافظين أيضًا متمثلين في شخصية عمران (محيي إسماعيل) التي كانت نبوءة مبكرة لما سيحدث في الجامعات المصرية خلال السبعينيات وما تلاها.
ويمكنكم قراءة الأجزاء السابقة من هذا المقال عبر الروابط التالية 👇🏻
زوزو ألمظيّة.. أشهر نساء السينما المصرية
زوزو ألمظيّة.. أشهر نساء السينما المصرية (٢)