“الليلة الكبيرة” التي تتحدث فنسمع أنفسنا-حلم لن يتكرر

لا ينتهي الحنين أبدًا إلى أوبريت “الليلة الكبيرة”، فهو ليس مجرد استعراض ناجح للعرائس، وإنما سيرة شعبية متكاملة، يرى فيها البشر أنفسهم، ويستعيدون ذكرياتهم، ويتجاوزون أوجاعهم، ويتطلعون إلى آمالهم.

 

ولعله من المناسب التوقف عند بعض أسباب تراجع فن العرائس بمصر، منها انحسار إنتاجه، وضعف الميزانية المخصصة له من جانب وزارة الثقافة، وسيطرة الموظفين على القطاعات الإدارية بالوزارة ومسارح الدولة، وندرة المؤسسات الأهلية والخاصة التي تهتم بمثل هذا الفن. كما أن هذه الكيانات الخاصة، إن وُجدت، فإنها تمضي في الاتجاه التجاري، فتركز على ألوان معينة، كحفلات أم كلثوم الغنائية مثلًا من خلال العرائس، بهدف تحقيق الربح في المقام الأول، وليس تقديم عروض عرائس حية مبتكرة، ذات طبيعة درامية.

 

 

 

بالإضافة إلى غياب فناني العرائس من الكبار وأجيال الرواد، إما برحيلهم عن دنيانا أو بتوقفهم عن العمل، وزهد الأجيال الجديدة في هذا الفن، مع انصراف الأطفال والصغار عن مسرح العرائس، وانشغالهم بالتقنيات الحديثة والإنترنت والسوشيال ميديا وقنوات التواصل والفنون المعاصرة، وعدم مواكبة فن العرائس المحلي التقليدي هذه المستجدات والآليات والتجهيزات والتطورات الذكية المبهرة التي وصل إليها هذا الفن في ثوبه العالمي المتفوق.

 

 

 

 

وليست وحدها “النوستالجيا” هي التي تربط ملايين المصريين بأوبريت “الليلة الكبيرة”، لكنها روح الأصالة وملامح الوجدان الشعبي ونسيج الموروث الحياتي والفني والثقافي. فذلك العالم الذي يضم العمّال والفلاحين والبسطاء من الريف والصعيد وسائر المحافظات، ويشتبك فيه الأراجوز والمنشدون ولاعبو السيرك وبائعو الحمص والعسلية ومدرب الأسود والمصوراتي والراقصة وغيرهم، هو صورة مصغّرة للمجتمع المصري بعفويته وتلاحمه في ليلة الاحتفال بمولد سيد الخلق. وإن غوص أي فرد في هذه الأجواء الطازجة يشكل بالنسبة له قفزة من الحاضر الباهت إلى زمن كانت للشخصية المصرية فيه هويتها الواضحة، مثلما كانت للفن فيه وللقوة الناعمة إشعاعات متوهجة مؤثرة، داخليًّا وخارجيًّا.

 

يمكنكم قراءة الجزء الأول من هذا المقال في الرابط 👇🏻

“الليلة الكبيرة” التي تتحدث فنسمع أنفسنا

 

 

عن شريف الشافعي

شاعر وكاتب مصري، من مواليد 1972، صحفي بمؤسسة "الأهرام" المصرية. صدرت له ثمانية دواوين، منها: «الأعمال الكاملة لإنسان آلي»، و«كأنه قمري يحاصرني»، و«هواء جدير بالقراءة». صدر له كتاب «نجيب محفوظ.. المكان الشعبي في رواياته بين الواقع والإبداع». تُرجمت أعماله الشعرية في كتب منفردة وأنثولوجيات إلى لغات عدة، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والصينية. شارك في مهرجانات شعرية دولية في فرنسا والولايات المتحدة والصين والمغرب ولبنان والأردن والسعودية وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *