الفرعون الصعلوك!(٢)

كان وقع الهزيمة على المصريين شديدًا، ولم يجد الناس أمامهم إلا التمرد والثورة احتجاجًا على ما حاق بكرامة المصريين وجيشهم. عمّت الثورة البلاد من أقصاها إلى أقصاها، إذ شعر الناس بأن جيشهم راح ضحية مؤامرة دنيئة ضلَع الملك في تدبيرها. وكان الاعتقاد السائد وقتها أن الملك أرسل الجيش إلى تلك المذبحة حتى يصفو له حكم البلاد. وكان الناس على يقين من أنهم لو سكتوا على هذه المهزلة فسوف يلقون المزيد من المهانة على يد أعوان الملك من المرتزقة الأجانب.

وكان على ابريس من جانبه أن يقمع الثورة ويضع حدًا لها. ولم يكن أمامه سوى الاستعانة بواحد من القادة “المواطنين” — واحد من أبناء البلاد يكون قادرًا على مواجهة الثوار، وفي الوقت نفسه لا يسبب وجوده مزيدًا من الاستفزاز. ويبدو أن الملك لجأ إلى هذه المناورة للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه. ولربما كان هذا هو السبب وراء طلب الملك من القائد المواطن أن يأخذ الثوار في البداية بالتوسل والحيلة.

وصل القائد المواطن أمازيس إلى مواقع الثوار، وطالبهم — حسب تعليمات الملك — بوضع حدٍّ لثورتهم وتمردهم حقنًا للدماء. لكن بينما كان يتحدث إلى الثوار، جاء أحد المصريين من خلفه ووضع على رأسه خوذة وقال له: “توَّجناك ملكًا”.

كان تصرف الرجل تعبيرًا عن مطلب عام في أوساط الشعب. فحكم ابريس لم يُسفر سوى عن تفاقم النفوذ الأجنبي وتحكم الإغريق في مقدرات البلاد. وعلى الرغم من أن أمازيس أبدى شيئًا من التردد في البداية، إلا أن الفكرة لم تكن بعيدة عن ذهنه. فبعد التنصيب الشعبي مباشرة، أخذ يعدّ العدّة لحملة مضادة على الملك وأعوانه.

وعندما علم ابريس بتحركات أمازيس، أرسل إليه أحد أفراد حاشيته ويدعى باتربيميس، وأمره بأن يحضر هذا المارق حيًا. ولما وصل الرسول إلى أمازيس، وكان الأخير — حسب رواية هيرودوت — فوق صهوة جواده، نهض وأخرج ريحًا وطلب إلى رسول الملك أن يحمل الريح إلى الملك! وهو تعبير عن الاستهانة بالملك والهزء به وإعلان التحدي.

وبرغم ذلك، توسل إليه باتربيميس أن يذهب للقاء الملك، راجيًا منه وضع حد للتمرد. فرد عليه أمازيس بأنه كان ينوي الذهاب إليه فعلًا، لكن ليس بمفرده! وأدرك الرسول ما يعنيه قائد الثورة، خاصة وأنه عاين الاستعدادات التي كانت قائمة في صفوف الثوار.

ولما مثل باتربيميس أمام الملك، دون أمازيس، استشاط الملك غضبًا وطاش صوابه، وأمر على الفور بجدع أنف هذا الرسول الذي فشل في مهمته دون ذنب أو جريرة. وكان لتلك المهانة أثرها في انفضاض كثير من رجاله وخلصائه من حوله والمسارعة بالانضمام إلى معسكر الثوار.

حينذاك، جمع ابريس جنوده من المرتزقة الأجانب — ثلاثون ألف جندي من عتاة الإغريق بكامل عتادهم. واستمرت المناوشات والمعارك بين الجيشين عامين كاملين، نجح خلالها الثوار في تحرير بعض المناطق، وظل حكم البلاد أثناء هذه الفترة شركة بين الطرفين، إلى أن جاءت المعركة الفاصلة.

ويمكنكم متابعة الجزء الأول من هذا المقال عبر الرابط التالي 👇🏻

الفرعون الصعلوك!

عن شهرزاد

المحرر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *