أحدث الحكايا

حواديت اللعب السرية في أدمغة المراهقين!(٢)

لم يكن متوسط إنتاج السينما في مصر يتعدى 10 أو 15 فيلما على الأكثر في العام. ولهذا السبب راجعت إحصائيات السينما ونوعية الأفلام في تلك الفترة، إذ كانت السينمات مزدحمة حتى التخمة، وتفسير ذلك سهل للغاية؛ فعام ١٩٦٥ عرض ١٥ فيلما، وعام ١٩٦٦ ظهر ١٣ فيلما فقط، وعام ١٩٦٧ ظهر ١٤ فيلما.

 

 

وأتخيل أنه لولا النكسة لما تجاوز عدد الأفلام متوسط ١٤ فيلما، ففي عام ١٩٦٨ ظهر 12 فيلما منها 6 أفلام كوميدية، هي: “حواء والقرد”، “أرض النفاق”، “الحب الكبير”، “الرجل الذي فقد ظله”، “السيرك”، “القضية 68″، “شنبو في المصيدة”، “شهر العسل بدون إزعاج”، “عفريت مراتي”، “قنديل أم هاشم”، “مطاردة غرامية”، و”نفوس حائرة”.

 


 

وفي عام 1969 عرض 14 فيلما؛ منها 3 أفلام كوميدية وعدة أفلام اجتماعية لم تخل من الجنس، منها فيلم “أبي فوق الشجرة “، “بئر الحرمان”، “شيء من الخوف”، “شيء من العذاب”، “فتاة الاستعراض”، “نادية”، “شقة مفروشة”، “غروب وشروق”.

 

 

بينما في عام ١٩٧٠ عرض أكثر من 50 فيلما وهي أفلام لا تخرج عن الكوميديا والجنس، وعام ١٩٧١ عرض ٤٩ فيلما منها “سيدة الأقمار السوداء” و”ثرثرة فوق النيل”، وفيلمان كانا بنفس الاسم تقريبا، “امرأة لكل الرجال” و”امرأة ورجل”. وفي عام ١٩٧٢ عرض ١٥ فيلما فقط، أي عادت السينما لسابق عهدها في متوسط عدد الأفلام التي تنتجها.

 

 

لقد كانت مجموعة ضخمة من أفلام الأبيض والأسود التي لا يمكن الحديث عنها ببراءة، أعادت تشكيل الشخصية المصرية في تلك الفترة، لقد أثرت بشكل عميق على هؤلاء الذين لم يحصلوا على أي قسط من التعليم.

 

الحقيقة أن ذلك كان إيذانا بانحراف هائل حدث، كانت بعض الممثلات الناشئات وبعض الراقصات قد استطعن السيطرة على شاشة السينما، ولعقد أو عقدين. ليس ذلك فقط، بل سيطر على هذه السينما بعد ذلك ما سُمي بأفلام المقاولات في السبعينيات والثمانينيات.

 

 

ورغم ذلك، كان الانتاج السينمائي المصري مكثف يخاطب الغرائز. وبالمناسبة كانت السينما الامريكية تفعل ذلك قبل السينما المصرية بقليل، ولكن كانت هناك أيضا أفلام كثيرة جادة تبث الوعي والمعرفة والقيمة الأخلاقية، لكن تأثيرها كان محدودا أمام حالة الفوضى التي أصابت السينما المصرية، والتي تركت أثرها في الجميع.

 

ستجد بعض العناوين الجادة التي خرج بعضها من روايات نجيب محفوظ مثل “ثرثرة فوق النيل” و”ميرامار”، بل ظهرت سينما عاطف الطيب ومحمد خان وكثير من الأسماء التي مهدت للواقعية الجديدة في السينما المصرية.

 

 

كيف نجونا كمراهقين من هذا الفخ الذي سيطر على الحياة المصرية في تلك الفترة العقيمة، كان ذلك إيذانا بتحولات عنيفة في البنية السلوكية. ورغم أننا دخلنا حربا مجيدة خططنا لها بعناية، إلا أن الشارع لم يسلم من تلك النوعية من الأفلام التي أعادت تشكيل الذوق العام. ولكن فيلما وحيدا يظهر في السينما الأمريكية هو الجزء الأول من “الأب الروحي” أعاد لنا كمراهقين القيمة الحقيقية للسينما والفن، كان ذلك نهاية عام 1972، وأيضا الجزء الثاني عام 1974، قبل ظهور أفلام عاطف الطيب في الثمانينيات والتسعينيات.

 

 

الأب الروحي

 

 

 

الجزء الأول من المقال في هذا الرابط 👇

حواديت اللعب السرية في أدمغة المراهقين!

 

عن د. زين عبد الهادي

باحث وروائي مصري، نشر له العديد من الأعمال العلمية والإبداعية، أستاذ علم المكتبات والمعلومات جامعة حلوان، المشرف العام على مكتبة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة، رئيس تحرير مجلة عالم الكتاب التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وزارة الثقافة (سابقا).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *