أحدث الحكايا

أبلواتي العزيزات..شكرا ! حكاية أبلة ناهد

كانت “أبلة ناهد” سمراء، طيبة الملامح، رشيقة بما يليق بمدرسة التربية الرياضية، مسؤولة عن طابور الصباح في المدرسة الابتدائية، ثم الإعدادية بعد ذلك، وحصة “الألعاب” لكل الفصول.

 

 

ظهور “أبلة ناهد” أحدث عاصفة من التغيير. ترتدي ملابس رياضية “ترننج نسائي”، وهو ما لم نشاهده من قبل في الواقع، هو يخص بعض النساء اللاتي تظهرن في التليفزيون فقط، لكنه ليس أمرًا واقعيًا، لكن “أبلة ناهد” كسرت تلك الصورة في أذهاننا، لا أذكر أننا قارننا بينها وبين أمهاتنا، فقد كنا نظن أن الله خلق أمهاتنا على صورتهن المعتادة منذ الأزل وإلى الأبد.

 

 

فريق الكرة بالصف الخامس الابتدائي مع أبله مديحة

 

 

أما المبهر حقًا فهو اهتمام “أبلة ناهد” بمادة الألعاب اهتمامًا حقيقيًا، فلم تتركنا في الجرن نلعب حتى يمضي وقت الحصة، بينما تنشغل هي بالحديث مع إحدى زميلاتها، أو بتحويل الحصة إلى وقت منتج بعمل بلوفر تريكو، بل كانت توظف كلًا منا في اللعبة التي تناسبه وفق الإمكانات المتاحة، وذلك بعد أن نؤدي جميًعا التمارين الأساسية من مد وثني وجري في المكان وغيرها.

 

 

لم تكتف “أبلة ناهد” بذلك، بل بدأت باستغلال طابور الصباح لاكتشاف مواهبنا من خلال إنشائها لفريق الإذاعة المدرسية. أحدنا يفتتح الطابور بقراءة ما تيسر من القرآن، وهناك من يقرأ شعرًا سواء من كتب المدرسة أو من كتب خارجية، ومن يقرأ عناوين صحف الصباح. وأتاحت لي فرصة قراءة أشعار من تأليفي، ثم غناء نشيد “صوت بلادي” في الميكروفون أثناء غناء كل المدرسة له وهم يدخلون إلى فصولهم.

 

 

 

مع زميلي أحمد رجب أبو زيد الصف الخامس الابتدائي

 

 

أما الانقلاب الكبير الذي أحدثته “أبلة ناهد” فكان حفلة عيد الأم. أقنعت إدارة المدرسة بتنظيم حفلة في أرض الطابور، يمثل فيها التلاميذ ويغنون ويلقون القصائد والفوازير، إضافة إلى استقدام “الساحر” الذي يقدم لنا عرض خفة يد، كل هذا في حضور جمهور من الأهالي.

 

 

أجرت “أبلة ناهد” مسابقات بين التلاميذ الذين يريدون المشاركة في الحفل، لتختار أفضلهم في كل مجال، وكان لي حظ القيام ببطولة الأوبريت الغنائي التمثيلي الرئيسي في الحفل لعدة سنوات في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، أغني وأرقص وأمثل، وأحيانًا أكتب مسرحيات قصيرة، تصححها “أبلة ناهد” ويمثلها فريق الحفل.

 

 

مع أ. محمود وزميلي أحمد رجب بالصف الخامس الابتدائي

 

 

لا أتوقف عن سؤال: لماذا فعلت “أبلة ناهد” مدرسة التربية الرياضية كل ذلك؟ ما الذي استفادته؟ وماذا كان عليها إن أراحت نفسها ولم تفعل شيئًا؟

مثل “أبلة ناهد” يظل في ذاكرات أجيال نموذجًا لروح المبادرة، والشغف باكتشاف مواهب الآخرين، ومنحهم الثقة بأنفسهم. “أبلة ناهد” لم تحصل على مقابل مادي لما كانت تفعله، لكنها حصلت على محبة عميقة متجذرة في نفسي، ولابد في نفوس كل من عرفوها من التلاميذ، والأكثر أنها زرعت فينا بدون خطابة ولا شعارات نموذجًا نتمثله دون أن ندري، كلٌ حسب ظروفه، وقدر طاقته. وربما حصلت روحها؛ التي أرجو لها السلام في الجنة إن كانت رحلت، والسعادة في الدنيا إن كانت على قيد الحياة، على كثير من الرضا والسعادة التي خلقتها في نفوس هؤلاء الأطفال القرويين الفقراء، الرضا والسعادة ذلك الكنز الذي لا يعرف قيمته إلا من حصل عليه، أو من لن يحصل عليه قط لأنه لا يستحقه، وكانت “أبلة ناهد” من أكثر الناس استحقاقًا لهذا الكنز المغلف بالمحبة.

 

يمكنكم قراءة الجزء الأول من المقال عبر الرابط 👇🏻

أبلواتي العزيزات.. شكرا!

 

 

عن منير عتيبة

روائي وقاص وكاتب للأطفال والدراما الإذاعية، مؤسس ومدير مختر السرديات بمكتبة الإسكندرية، رئيس تحرير سلسلة كراسات سردية التي يصدرها مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، مقرر لجنة السرد القصصي والروائي بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة (2013 - 2019)، وقد حصل على العديد من الجوائز منها جائزة اتحاد الكتاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *