لم يكن صلاح عيسى مجرّد حكّاء بارع، بل مؤرخ يكتب السرد الموثّق لا الخيالي، معتمدًا على مصادر ووثائق، ويقدّمها بأسلوب يبدو وكأنه اختراعه الخاص. المعادلة التي نجح فيها ببراعة هي تقديم التاريخ كقصة جذابة وموثوقة، دون أن يتخلى عن دقته أو أهدافه الفكرية.
من خلال هذا الأسلوب، يكشف لنا التناقضات في التاريخ. يجعلك تتعاطف مع شخصية معينة أو تُدين موقفًا ما، ثم يكشف لك خلفيات لم تكن تعلمها، فتتراجع وتعيد التفكير. بهذا يُعلّمنا أن لا نحكم على التاريخ بسطحية، بل نفكر فيه من زوايا أوسع، وأن نصغي للأصوات المختلفة داخله.
يرى صلاح عيسى في مصر وجهًا “يضحك وهو ينزف”، ويعشقها رغم الندوب، ويؤمن بأن العقل المصري، رغم كل ما تلقاه من طعنات، كان قادرًا على خداع أعدائه وتفويت الفرص عليهم. وهو يرى أن مأساة المصريين بدأت عندما حُوصِر العقل داخل “مسلمات لا تقبل النقاش”، وهذا ما أراد كسره بإعادة فتح دفاتر التاريخ.
هذا الكتاب لا يسلينا بحكايات ممتعة فقط، بل يفتح بابًا للتفكير، بل للعمل أيضًا، كما فعل بهاء الدين وصلاح عيسى معًا. فكأن الكتاب يقول: اقرأ التاريخ كي تُحرر فكرك، لا لتردده.
يمكنكم متابعة الجزء الأول من هذا المقال عبر الرابط التالي :