أحدث الحكايا

محمود عبد الوهاب يحكي: إبراهيم أصلان.. إيه الحلاوة دي؟!

خمسة شهور قد مضت، منذ أن أرسلت للكاتب إبراهيم أصلان، عملي الثاني وهو مجموعة قصصية بعنوان “كل شيء محتمل في المساء” وكنت في الحقيقة أتوق إلى رأي أصلان بأكثر مما أتوق إلى رأي أي شخص آخر من عالم الكتابة.

فكثيرا ما كان يحدث لي عند قراءة إحدى قصصه أن أتوقف عن القراءة وقد خبطني شيء قاس في رأسي، هذا الشيء هو الإدراك المكمل، أو الإدراك المشارك، فأصلان يعطي لك الفرصة أن تتبين المعنى الذى يرمي إليه من دون أن يقوله مباشرة.

فهو الرجل الذى فتنت به وبكتاباته على نحو خاص جدا، لأن مبعث الافتنان هنا ليس طريقة الكتابة، بل طريقة الحذف، وأنا أميل إلى الكتابات القصيرة المكثفة، ولذلك فكثيرا ما كان يحدث لي عند قراءة إحدى قصصه أن أتوقف عن القراءة وقد خبطني شيء قاس في رأسي، هذا الشيء هو الإدراك المكمل، أو الإدراك المشارك، فأصلان يعطي لك الفرصة أن تتبين المعنى الذى يرمي إليه من دون أن يقوله مباشرة. إنه يعطى لك الفرصة لكى تتفاعل، تشارك برأيك فيما حدث، أو لماذا حدث.

مثال على ذلك قصته الرهيبة عن الرجل الذى يفتح لابنه الباب فيلاحظ أنه ازداد طولا، وبعد انتهاء زيارة الابن يخبر الرجل زوجته بما لاحظه، إلا أن الزوجة تقطع برأيها فيما يشبه نفاد الصبر المعروف بين أي زوجين لهما في قفص الزواج باع طويل، بأن النمو يتوقف عند سن الواحد والعشرين، ولا يقتنع الرجل، إلا أنه عند نومه تحين منه التفاتة إلى مرآة الدولاب أمام السرير، فيحدق في رجل لا يعرفه، رجل قصير ينظر إليه. وبما أنني لا أكتب قصة هنا، فيمكنني أن أقول إن الرجل تقدم في العمر وهو لا يشعر، وانحنى ظهره وهو لا يدرك، وهو ما تجنبت زوجته التصريح به.

إبراهيم أصلان

لأن الكتابة مدارس وأذواق، ولا شيء متفق عليه في هذه الحياة أبدا، كان التعبير إنه في نظري “إله القصة القصيرة”.

إله القصة القصيرة

ولما انقضت تلك الشهور الخمس من العام 2008، نسيت الأمر تماما وإن ظلت لدى غصة في حلقي، لأنني ظننت أنه سيهتم بقراءة ما أرسلته، خاصة بعدما تحدثت إليه تليفونيا بعد تقديمي من قبل أحد الأصدقاء، وقلت له تعبيرا لا أنساه، وأراه الآن فجا أو مبالغا فيه، أو بريئا بما يناسب حماس البدايات وقلة الخبرات، ليس لقلة مكانته حقا، ولكن لأن الكتابة مدارس وأذواق، ولا شيء متفق عليه في هذه الحياة أبدا، كان التعبير إنه في نظري “إله القصة القصيرة”.

إبراهيم أصلان

لماذا إذن لم يرعني ذلك الإله؟ لم لم ينظر بعين العطف إلى مريديه؟ أم أن المجموعة التي أهديته إياها لا ترقى لمستوى أن يعقب عليها شخص في مكانته؟ هل أكتب كتابة رديئة؟ هل أفكاري تافهة؟

كنت جالسا إلى القهوة ذات يوم، فرن الموبايل برقم لا أعرفه، فرددت على المتصل الذى سألني إن كنت الأستاذ محمود عبد الوهاب فأجبت بالإيجاب، فقال ببساطة:

– ​أنا إبراهيم أصلان يا محمود.

وفى الحقيقة فإن أصلان لم يتكلم كثيرا في هذه المكالمة، فقد أخذت أصيح في التليفون، وخرجت من القهوة لكى أستطيع الكلام بحرية، وأظن أنني قلت له إننى غير مصدق لأذني، وشرعت أذكر له مقاصده التي فهمتها من بعض قصصه (التي تحتوى على هذا النوع من القفلات)، وربما أشعرته بالملل من حديثي الذى طال على حسابه، لكنه على أي حال، قد تمكن آخر الأمر من أن يخبرني بأنه يعتذر عن طول المدة التي استغرقها حتى قرأ المجموعة، ثم قال لي جملة واحدة أذكرها أيضا بحذافيرها، لأنها قصيرة جدا مثل كتاباته، قال:

إيه الحلاوة دى؟

فيما بعد اعتبرت نفسي صديقه، وفى الكتابات التي كان يسعد بها قراء الأهرام كنت أعلق له تليفونيا على كل مقال، وأتغنى بما اختصره ولم يرد أن يقوله صراحة، ومن ضمن ما كتب أذكر إحدى كتاباته، والتي خص بها هيمنجواي، قال إن مشكلة الرجل إنه كان يكتب للقارئ الذكي، ولطالما رأيت أن أصلان، وهو المعجب به، إنما يشير إلى نفسه أيضا، وبلا أي شك.

عن محمود عبد الوهاب

كاتب مصرى له ثمانية أعمال ما بين القصة القصيرة والرواية، بدأ الكتابة منذ عشرين عاما برواية "سيرتها الأولى"، ثم تتالت أعماله، فأصدر مجموعة "كل شىء محتمل فى المساء" عام 2008، مجموعة "على قيد الحياة"، متتالية قصصية "أحلام الفترة الانتقالية" 2013، رواية "العيش فى مكان آخر" 2014، رواية "زيزينيا"، "الأشياء التى فهمتها"، رواية "متقاعد".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *