ثورة الترام ..التي قلبت حياة المصريين

بعد أكثر من نصف قرن على صدوره، لا يزال هذا الكتاب البسيط مظهرًا، الثري مضمونًا، يحظى باهتمام القراء والباحثين على حد سواء. فقد شكّل مصدرًا مهمًا لفهم حالة المجتمع القاهري في الحقبة التي بدأ فيها الترام في شق طريقه داخل المدينة.

 

 

يتناول الكاتب والباحث محمد سيد كيلاني، في في كتابه النادر “ترام القاهرة”  الأثر العميق الذي أحدثه الترام — الذي انقرض الآن — في عاصمة المحروسة، وكيف غيّر دخول هذا الاختراع النقال ملامح الحياة اليومية في القاهرة تغيّرًا لا يقل أهمية عن دخول التلفزيون إلى البيوت في ستينيات القرن العشرين، أو دخول الإنترنت إلى حياتنا المعاصرة.

 

 

 

 

 

 قبل دخول الترام، كان عدد سكان القاهرة نحو 374,838 نسمة، بينهم 31,650 أجنبيًا، ويقطنون في حوالي 55,597 بيتًا، وتضم المدينة 379 جامعًا. لكن تلك البيوت كانت في حالة صحية مزرية. وفي عام 1892، تشكّلت لجنة من ثلاثة مهندسين — فرنسي وألماني وإنجليزي — لدراسة إنشاء شبكة مجاري في المدينة.

 

 

وقد رصدت اللجنة في تقريرها صورة قاتمة لحال القاهرة: بلغ عدد الوفيات 46.10 بالألف سنويًا، وهو رقم يفوق مثيله في مدن كثيرة من العالم في ذلك الوقت. أما الفضلات المتخلفة يوميًا في الشوارع فقد وصلت إلى 318 طنًا.

ورغم ذلك، رفض مجلس شورى القوانين آنذاك تخصيص مبلغ أربعين ألف جنيه كدفعة أولى لتنفيذ المشروع، وفضّل بدلًا من ذلك استخدام المبلغ في تخفيف الضرائب عن الفلاحين.

 

 

 

يوثّق كيلاني في كتابه العديد من الملامح العشوائية لتنظيم القاهرة في ذلك الزمن. كانت المدينة مليئة بالعشش، وتخترقها المجاري المائية المكشوفة مثل الخليج المصري والترع. وكانت شوارعها مظلمة ومليئة بالحفر وأكوام الفضلات، وكانت الحمير هي وسيلة النقل الأساسية للناس، ولها مواقف مخصصة، أشهرها أمام فندق شبرد القديم في شارع الجمهورية، لخدمة السياح.

 

أما وسائل النقل العامة — مثل “الأمنيبوس” — فكانت بطيئة ومحدودة المسافات، مما فرض على سكان المدينة نمطًا من العزلة. فكل حي كان بمثابة جزيرة مغلقة، ومن النادر أن يخرج ساكن العباسية إلى مصر القديمة مثلًا، إلا لأمر بالغ الأهمية. أما التلاميذ الذين لا تتوافر مدارس في أحيائهم، فكانوا في الغالب ينصرفون عن التعليم.

 

 

فندق شبرد في القاهرة قديما

 

فكيف قلب الترام هذه الحياة رأسًا على عقب؟ وما الذي تغيّر فعلاً في نسيج المدينة؟ نتابع ذلك الأسبوع المقبل…

 

 

عن شهرزاد

المحرر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *