أحدث الحكايا

منير عيبة يحكي: “الطريق إلى قرطبة”.. خمسة وثلاثون كتابًا في كتاب

أحيانًا أشعر بالجشع، أريد أن أقرأ كل كتب العالم في يوم واحد، لكن من أين أحصل على كل كتب العالم، وكيف أقرأها في وقت قليل؟ ولكن كتب مثل “الطريق إلى قرطبة” فيها بعض التعويض.

كتاب “الطريق إلى قرطبة. أطروحات تاريخية عابرة للحدود” للدكتور صديق جوهر، منشورات دار كرديب. الهند، 2023. (متاح على جوجل مجانا على: Saddik gohar academia)، يمثل نوعية من الكتب التي نحتاج إليها بشدة. تخرج لنا المطابع نماذج منها من وقت لآخر، لكننا نحتاج إلى الكثير منها، تلك الكتب التي يمكن أن نطلق عليها الكتاب الإشاري أو الكتاب الدليل، الذي يشير إلى كتب أخرى، ويدلنا على أفكار هذه الكتب، فيكون بابًا للتأمل والاختيار لمن يريد أن يتوسع في القراءة في موضوع معين، أو الاطلاع على كتاب بالكامل.

رابط صفحة دكتور صديق جوهر على موقع أكاديميا

 

غلاف كتاب الطريق إلى قرطبة

 

فكتاب “الطريق إلى قرطبة” يقدم للقارئ العربي خمسة وثلاثين كتابًا صدرت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ولم تترجم إلى اللغة العربية بعد، لذلك يحرص الكاتب على ذكر اسم الكتاب ومؤلفه ودار النشر، لمن يريد أن يعرف أكثر عن هذا الكتاب أو ذاك، وبالتالي ففي مساحة ورقية لا تتجاوز 160 صفحة من القطع المتوسط، يجوب د. صديق جوهر بنا أربعين عالمًا ذاخرًا بالأفكار التي قد نتوافق معها أو نختلف، لكن المهم أننا سنتواصل معها، ولولا هذا الكتاب لما عرفنا بها.

الكاتب د. صديق جوهر أكاديمي وناقد. خبير الترجمة في الأرشيف والمكتبة الوطنية – الإمارات. يقيم في كندا ويعمل في الوقت الراهن خبيراً للترجمة التحريرية والشفوية في وزارة شؤون الرئاسة – أبوظبي.  مترجم تحريري وشفوي محترف وأكاديمي وناقد  وباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعي. أستاذ ورئيس قسم اللغات والآداب والترجمة بجامعة الإمارات سابقاً. صدرت له عشرات الكتب والدراسات باللغتين الإنجليزية والعربية في الأدب الإنجليزي والأمريكي والأدب المقارن ودراسات الترجمة وقام بترجمة العديد من الكتب إلى الإنجليزية والعربية.

د. صديق محمد جوهر

 

يقدم الكاتب البيانات الببلوجرافية لكل كتاب، ثم ملخص في فقرة واحدة أو فقرتين للفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب، ورأي المختصين في الكتاب ومؤلفه من حيث القيمة العلمية والأكاديمية له. ثم يقدم أهم الأفكار والمعلومات ووجهات النظر الواردة بالكتاب في حدود ثلاث صفحات أو أكثر قليلًا، ويختم بوجهة نظره في الكتاب سواء اتفق مع ما ورد به أو اختلف معه.

وليست كل الكتب الواردة بالكتاب ممتازة من حيث تقييمها العلمي والأكاديمي، ولعل الكاتب قصد إلى ذلك ليوضح للقارئ تفاوت المستوى العلمي الذي يتناول تاريخ الإسلام في الغرب، من الدراسات العلمية الرصينة إلى الكتب التي تشبه القصص الخيالية غير الموثقة وإن ادعت غير ذلك. كما أن بعض الكتب تعتمد في مراجعها على مصادر شيعية أكثر من المصادر السنية، وكتب أخرى تفعل العكس، كتب تتعامل مع الحضارة والتاريخ الإسلامي بحيادية، وكتب تتعامل بتعصب ضد هذه الحضارة وتاريخها.

كما أنه لم يقتصر على الكتب التي تتناول التاريخ السياسي والحربي، بل قدم كتبًا عن العمارة الإسلامية وتأثيرها، وتاريخ الأزياء في الحضارة الإسلامية، ودور الحريم في القصر السطاني للخليفة العثماني، الدور السياسي الحقيقي بعيدًا عن أوهام الحريم والحرملك القصصية المرسخة في الذهنية الشعبية الأوروبية، وتأثير المفكرين والعلماء المسلمين على الحضارة الأوروبية، وغير ذلك من الجوانب الحضارية المهمة، وهذا ما يمنح الكتاب حيوية لرؤية أشمل للعقلية الغربية في نظرتها إلى الإسلام والمسلمين وتاريخهم.

يمكن تحميل الكتاب كاملا عبر هذا الرابط

أقسام الكتاب

قسم الكاتب كتابه إلى سبعة أقسام هي: من خيام الصحراء إلى قصور دمشق- الفرار إلى الأندلس- أحزان غرناطة- جواري في قصر السلطان- العودة إلى الأناضول- تراتيل السقوط- فسيفساء تاريخية. وكل جزء يقدم خمسة كتب.

صفحة محتويات الكتاب

 

يبدو من ترتيب أجزاء الكتاب، والموضوعات التي اشتمل عليها كل جزء أن الكاتب يحرص من خلالها على عرض تاريخي تسلسلي قدر الإمكان لقصة الإسلام منذ ما قبل ظهوره حتى سقوط الخلافة العثمانية، يقول: “والموضوعات التي تناولها المؤلفون في كتاباتهم والتي تتعلق بتاريخ العرب القديم من قبل الجاهلية مرورًا بالعهد الإسلامي الأول ثم الخلافة الأموية فالخلافة العباسية ثم الحضارة الأندلسية علاوة على تاريخ الامبراطورية العثمانية وموضوعات أخرى جيوسياسية وثقافية وفكرية وفلسفية هامة”. مع الأخذ في الاعتبار أن كل كتاب أيًا كانت فكرته المركزية أو العصر الذي يركز عليه بحثه سيعود بالضرورة للعصور السابقة بدرجة أو بأخرى من التوسع.

ولا يترك الكاتب لعاطفته الدينية الفرصة للحكم على الكتب التي يقدمها للقارئ، بل معيار القيمة العلمية والأكاديمية هو أساس الحكم لديه، فمثلًا كتاب (الفتح الإسلامي لأسبانيا وتركة الأندلس- حسن شاهناز وإسلاروزر أون) برغم أنه يشيد بالإسلام والأهداف النبيلة للمسلمين من غزوهم للأندلس، إلا أن الكاتب يقرر أن هذا الكتاب ليس عملًا أكاديميًا جادًا، يتناول تاريخ الأندلس الإسلامية من وجهة نظر خيالية أسطورية، ولا يصلح لأن يكون مرجعًا في التاريخ الإسلامي أو الأندلسي.

 

إحدى الصفحات الداخلية للكتاب

 

لقد توقفت عند عنوان “الطريق إلى قرطبة”، لماذا اختاره المؤلف برغم أن محتواه يعرض لمعظم تاريخ الإسلام والمسلمين وجوانب الحضارة الإسلامية؟ وأرى أنه ربما لأن سقوط قرطبة كان جرحًا لم يندمل حتى الآن، نتذكره بأسى أكثر مما نتذكر سقوط بغداد مثلًا، وربما لأن قرطبة هي الأقرب للغرب والكتاب يعرض كتبًا لمؤلفين غربيين، وربما لأن قرطبة كانت من الحواضر المهمة في تاريخ المسلمين والأوربيين معًا، وهي بذلك تعد رمزًا لما يرجوه المؤلف في مدن الإسلام ومدن الغرب في العصر الحديث.

ذكر الكاتب في المقدمة أن كتابه يحتوى على قراءة في أربعين كتابًا، لكن الكتب الواردة بالفعل هي خمسة وثلاثون كتابًا، كما أنه أشار في مقدمة الكتاب إلى أن جميع الآراء الواردة بالكتاب تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المترجم الذي يعرضها، وبرغم أن هذا مفهوم ضمنًا، خصوصًا أن الترجمة والعرض لم يكن سلبيًا بل كان إيجابيًا يعرض وجهة نظر د. صديق جوهر فيما يقدمه المؤلفون، إلا أن هذه الإشارة تكررت كثيرًا جدًا في الكتاب بما أرجو أن يخفف منها في طبعاته التالية، وربما لأن بعض الكتب بها أفكار غير معتادة، ولأن المؤلف يعلم زيادة تربص البعض بما يقرأون فإنه يحتاط لنفسه بتكرار هذه الإشارة.

ليس الوحيد

وهذا الكتاب ليس الوحيد الذي يقدمه د. صديق جوهر في هذا المجال، فله كتاب آخر لا يقل أهمية هو “دموع الذئاب – البكاء على أطلال الإمبراطورية – قراءات في تاريخ الغرب المعاصر”، تناول فيه بتوسع أكبر، وتحليل أشمل أربعة كتب هي: (الحرب الكونية النزاع المسلح في القرن العشرين وسقوط الغرب، الكذب من أجل إقامة الإمبراطورية، قرار السلام: بريطانيا ما بين الماضي والآتي، ما بعد الوقاحة: المتاجرة بالعداء للسامية وتزييف التاريخ).

غلاف كتاب “دموع الذئاب”

أؤكد على ما أشرت إليه من أهمية مثل هذه الكتب التي تتحاور مع كتب أخرى وتقدمها لنا، خصوصًا تلك الكتب التي لم تترجم بعد، وهي بذلك تجعلنا على صلة مستمرة مع ما حدث بالعالم وما يفكر فيه أولًا بأول.

عن منير عتيبة

روائي وقاص وكاتب للأطفال والدراما الإذاعية، مؤسس ومدير مختر السرديات بمكتبة الإسكندرية، رئيس تحرير سلسلة كراسات سردية التي يصدرها مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، مقرر لجنة السرد القصصي والروائي بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة (2013 - 2019)، وقد حصل على العديد من الجوائز منها جائزة اتحاد الكتاب.

6 تعليقات

  1. د.حنان الشرنوبي

    مقال جامع مانع أديبنا الكبير

  2. زينب السعود

    سلمت أستاذنا على هذه الإضاءة القيمة لعلم من أعلام الكتابة الذين يستحقون الإشارة إلى جهودهم

  3. جميل جدا، والشكر الجزيل لك استاذ منير على هذا التوجيه المفيد باتجاه مصدر واحد هو الدكتور صديق جوهر واجتهاده في هذا المجال…
    طريقة عرض مخطط كل كتاب تنم عن دراية واسعة ومرتبة ومنظمة يحتاجها القارئ فعلا.. بوركتما علما وأدبا

  4. مراجعة رائعة وافية لكتاب يتسم بتعدد وتنوع المصادر المختلفة عن تاريخ قرطبة من وجهة نظر غربية
    لقند أسهبت وكفيت ووفيت فيما قدمته من معلومات عن الكتاب ومؤلفه العلامة الكبير الدكتور صديق حوهر
    أحييكم أستاذ منير عتيبة في هذا التناول الرائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *